فرنسا تُبقي على الضبابية حول العمليات الفدائية خلال الثورة

الغد الجزائري- أحيت فرنسا ذكرى ضحاياها باستذكارهم، عرفانا لما قدموه خلال فترة استعمارها لثلاث دول مغاربية وهي الجزائر، تونس والمغرب، ولا تزال الضفة الأخرى تتعامل مع العمليات الفدائية التي نظمت خلال «معركة الجزائر» بالعاصمة بنوع من التردد، حيث ذكرت بتكريم للمدنيين الذين استهدفهم انفجار مقهى «ميلك بار» بشارع العربي بن مهيدي، في سبتمبر 1956، والذي لم يكن سوى ردا على انتهاكات الاستعمار وسلب سيادة بلد ولم يكن «إرهابا» كما كان يرى جنود فرنسا في تلك الفترة.
كشف الإليزي في بيان له أمس، إحياء فرنسا التكريم للموتى الذين ضحوا من أجلها خلال الثورة الجزائرية وفترة استعمارها للمغرب وتونس، والذي يكون في الخامس ديسمبر من كل عام، بعد أن خصصت يوما للمعنيين.
وفي ظل ما تشهده العلاقات الجزائرية-الفرنسية من تحسن بعد فترة من الضبابية والجمود، حاولت الرئاسة الفرنسية، هذه المرة، ربط الحدث
هذا العام، بالذكرى الستين لانتهاء «الحرب الجزائرية» وهذا ما اعتبرت جعل من المناسبة «ذات صدى خاص».
وأشار المصدر ذاته إلى ما بدر به الرئيس إيمانويل ماكرون في ملف الذاكرة، حيث اعتبرته «رحلة اعتراف» رغم أن الطريق في هذا المجال يبدو طويلا، خصوصا أن فرنسا لا زالت تصر على عدم الاعتذار، مكتفية بالحديث عن بعض الوقائع دون غيرها رغم علمها أن الانتقائية في معالجة الماضي لن تقنع الطرف الجزائري، وقد سبق لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أن أكد أن الجزائر لن تتنازل عن أي جزء في ملف الذاكرة، ثم أن فرنسا -كما أكده العديد من المؤرخين-مرغمة على رؤية ماضيها الاستعماري بكل تفاصيله وعدم الاكتفاء بجزئيات.
أضاف بيان الإليزي في السايق ذاته «في الأشهر الأخيرة، تمكنت أمتنا من إلقاء نظرة على تاريخ الاستعمار والحرب في الجزائر، وانطلقت في رحلة اعتراف مستنيرة من خلال العمل الضروري والدائم للمؤرخين”.
وتابعت قائلة: “أولئك الذين مروا بهذه الأوقات الصعبة، ويحملون غالبا ذكريات حية مؤلمة، يتم الاعتراف بهم جميعا على هذا النحو من قبل الأمة في تنوعهم.. كلها تنبع من نفس التاريخ ومن ذاكرة مشتركة.. الأمر متروك لنا لنعترف بجهودهم وأمجادهم وأحزانهم.. إن نقل ذاكرة مستنيرة ومسالمة هو علامة على حيوية أمتنا”.
وإذا كان من حق فرنسا أن تمجد وتكرم من مات من أجلها ولتحقيق أهداف حروبها فإن التساوي بين شعب كافح من أجل سيادته ودافع بما يملك لتحقيق الحرية وترك بصمات التضحية في ميادين الشرف، وهؤلاء الذين تراهم ضحايا عمليات قام بها فدائيو جبهة التحرير الوطني خلال معركة الجزائر وعبر كل المحطات الحاسمة التي مرت بها الثورة الجزائرية أمر يستدعي من فرنسا مراجعة نفسها والتركيز علي الأسباب أكثر من النتائج، حيث أضاف بيان الرئاسة الفرنسية “اليوم، في كل مكان في فرنسا، أمام النصب التذكارية لحربنا، يضع ممثلو الدولة إكليلا من الزهور باسم رئيس الجمهورية.. الضحايا المدنيون في ميلك بار، شارع ديسلي، في وهران وأماكن أخرى، الجنود الذين تم استدعاؤهم من الوحدة أو المساعدين أو المجندين المهنيين، الذين قتلوا في العمل أو في عداد المفقودين، يستحقون جميعا تكريم الأمة”.
ولعل الفرنسيون نسوا أن تفجير مقهى شارع العربي بن مهيدي كان رد فعل جزائريين على استعمار طال أمده وكثرت استفزازاته، والدفاع عن النفس أمام العدو حق حين تسلب سيادة الأوطان، وحان الآوان لفرنسا أن تعترف أيضا أن تكريم كل من حارب وخدم رايتها خلال فترة استعمار الجزائر، يتطلب منها أيضا أن تلتفت إلى ما ارتكبه هؤلاء من انتهاكات وتعترف بأنها جرائم وتتحمل مسؤولية ماضيها في الجزائر بالكامل وليس بسياسة الكيل بمكيالين.
تعليقات 0