الاستشراف الوقائي.. دروس المآسي

22 عاما على زلزال بومرداس عززت كيفيات مواجهة الكوارث بتحيين الترسانة القانونية

تمر اليوم 22 سنة على ثاني أكبر زلزال شهدته الجزائر في تاريخها – بعد زلزال الشلف في 1980- وهو الذي فجع ولاية بومرداس وضواحيها، ولم تكن الخسائر قليلة، بشرية كانت، أو مادية ونفسية، فحسب الإحصائيات الرسمية، خلفت الكارثة الطبيعية مقتل 1391 شخص وإصابة 3444 آخرين. دون إغفال التكلفة المالية للزلزال المدمر، الذي بلغت قوته 6.8 درجة على مقياس ريشتر، وكمية الأوجاع والتداعيات النفسية لمن خسر كل شيء وقتها. وككل المآسي، كان لا بد من تقييم التجربة والالتفات للفجوات، مع الأخذ بعين الاعتبار آراء المهندسين الذين لطالما حذروا من العشوائية المنتهجة البناء المنتهجة، واقع العمران في الجزائر، إلى جانب الأماكن والترسانة القانونية المسيرة للمجال، وللبناء على وجه الخصوص. 

الزلزال العنيف الذي هز الأرض بالتحديد في منطقة زموري البحري، قدرت شدته 6.8 درجات على سلم ريختر، وامتدت تبعاته إلى المناطق والولايات المجاورة، خلف حصيلة ثقيلة في الأرواح بوفاة 2,266 شخص وإصابة 10,261 آخرين، وقد انهارت أكثر من 1,243 بناية، إضافة إلى تضرر البنى التحتية في جميع الولاية خاصة زموري، بومرداس، قورصو، الثنية وحتى الجزائر العاصمة، كما انجرّ عنه خسائر مادية معتبرة في العمران فاقت ما قيمته 3 مليار دولار، حيث تسبب في تدمير أزيد من 10 آلاف مسكن بالكامل، كما ألحق أضرارا بحوالي 100 ألف مسكن.

ومن حيث الخسائر البشرية والتكلفة المالية للمأساة، أبرزت الإحصائيات المعلن عنها من قبل السلطات، أن القيمة المالية الإجمالية لإصلاح مخلفات الزلزال 78 مليار دينار جزائري، إضافة إلى تكفل الدولة بإنجاز برنامج سكني استعجالي ضخم، تمثل في تشييد 8.000 مسكن، من أجل إعادة إسكان المنكوبين. 

واستلزمت الكارثة الطبيعية إعادة تصنيف ولاية بومرداس من “منطقة زلزالية من الدرجة الثانية إلى الدرجة الثالثة”، مع إعادة تكييف كل المشاريع العمرانية التي كانت في طور الإنجاز آنذاك.

وتبعا لذلك، تم إنجاز دراسة تقنية حددت مسار وممر الشق أو “الخط الزلزالي” ومركزه الناتج عن الزلزال، الأمر الذي ساعد في عملية توطين المشاريع السكنية في عقارات جديدة لم تكن متاحة من قبل، وأصبحت هذه الدراسة تأخذ في الحسبان في كل “مخططات التهيئة والتعمير” التي يجري إعادة مراجعتها جميعها، إلى حد اليوم.

ولم تتوقف إشكالية إعادة التصنيف عند الرقعة الجغرافية فحسب، وإنما شملت أيضا تصنيف الأتربة من حيث مدى مقاومتها لخطر الزلازل الذي توسع إلى 6 أصناف عوض الصنفين، فيما بات يشترط ميدانيا ومنذ ذلك الحين، تشييد جدران الإسناد المقاومة للانهيارات في المناطق الجغرافية الواقعة في الصنف الثالث في تصنيف المناطق المعرضة لخطر الزلازل، ناهيك عن إعادة النظر في كل المواد التي تدخل في البناء، والتي بات لزاما أن تحترم شروط الجودة المعمول بها، لضمان سلامة المنشآت ومتانتها.
ولعل أهم قانون ضمن الترسانة القانونية التي تحركت الدولة لوضعها، اعتماد وإصدار “القانون 04-05 المؤرخ في 14 اوت 2004 المعدل والمكمل للقانون 90-29 المؤرخ 1 ديسمبر 1990 المتعلق بالتنمية وتخطيط المدن”، والذي يتعلق بتعريف أفضل للمخاطر ومناطق الخطر حيث يكون البناء محظورًا أو محدودًا، ولكن قبل كل شيء ينص على وصفتين مهمتين للغاية: – الهدم المنهجي لأي بناء تم تشييده بدون ترخيص – العقد الإجباري في ملف طلب رخصة البناء بمعنى: يجب أن يتم إعداد مشاريع البناء الخاضعة لرخصة البناء من طرف مهندس معماري ومهندس في الهندسة المدنية معتمدين، معا، في إطار عقد الاستشارة الفنية، إلا أن الواقع يؤكد أن دور المهندس المدني يتم تجاهله، وهو ما تندد به مرارا هذه الفئة.

ورغم التدارك القانوني إلا أن المهندسون يعتبرون أن الإشكالية في الجزائر تكمن في انعدام الرقابة القبلية والبعدية للعمران وغياب شرطة العمران، في وقت يفترض أن يكون الترخيص بالتعمير أن يمنح بعد دراسة التربة والهيدروليك والأرضية وغيرها، إلا أن في الغالب لا تقام إلا في حالة البنايات الجماعية، فينما يتم انتهاج العشوائية في البنايات الفردية، ولا يستعين الفرد بالمهندس المعماري إلا بعد سقوط بنايته أو تشققها.

ومن أجل تفادي كوارث أخرى مستقبلا، يقترح المهندسون تحديد أطر بناء خاصة بكل ولاية، على غرار الولايات الأكثر عرضة للزلازل -بومرداس والشلف- والولايات التي تنتشر فيها الوديان وهي مهددة بالفيضانات وكذلك الولايات الفلاحية، أين يستوجب يجب تحديد معايير خاصة بالبناء حسب خصوصية كل منطقة.

ولعل أهم قانون سنته الدولة في مجال الوقاية من المخاطر الكبرى، بند يحد من البناء بطرق فوصوية بتعزيز المراقبة على أنواع البناء في مناطق نشطة زلزاليا أو على حواف الوديان وفرض الصرامة اللازمة لمنع وقوع تعديات على محيط كل منشأة صناعية أو طاقوية تنطوي على خطر كبير، وكذا الأراضي على امتداد قنوات المحروقات أو المياه أو جلب الطاقة، وشمل النص منع البناء بكل من المناطق الواقعة أسفل السدود دون مستوى قابلية التعرض للفيضان، المناطق غير القابلة للبناء والمثقلة بالارتفاق مع منع بطريقة أو بأخرى وجود أي منشأة سكنية تحت السدود أو المجاري المائية، كما كشف وزير السكن، مؤخرا، عن جديد في السكن بالجزائر، باعتماد نظام مضاد للزلازل في بناء سكنات “عدل 3″، وهو أمر من شأنه أن يضمن الأمن العمراني في الجزائر، فيما يدعو الخبراء، من جهة أخرى إلى تطوير نظام الإنذار الخاص بالزلازل من أجل الحد من مخاطر هذا النوع من الكوارث، وكذا تمويل البحوث العلمية والاستفادة من كل ما توصل له المختصون في المجال، مع أهمية تحسين دور شركات التأمين بالجزائر ونشر ثقافة التأمين عن السكنات لدى الجزائريين.