الجالية الجزائرية.. شوكة في حلق اليمين

"لوبوان" تستهدفها متجاهلة استجداء فرنسا صوتها الانتخابي حين يهددها التطرف

جنّد اليمين المتطرف إعلامه لمنح بعد آخر للحملة المشينة التي يشنّها على الجزائر، ولم تفوّت العديد من القنوات التلفزيونية والإذاعية والجرائد، منذ عدة أسابيع ما يحاك في الضفة الأخرى ضد بلد ذي سيادة، بل رافق إعلاميون تصريحات الرسميين وقادة الأحزاب هناك، ليبرز، صحفي مجلة “لوبوان”، بونوا دالما، منذ يومين، بافتتاحية، يتهم فيها السلطات الجزائرية بتحريض الجالية المقيمة بالمهجر ضد ما أسماه “المعارضين”، ووصف المهاجرين الجزائريين بـ “سلاح الحكومة الجزائرية” لتخويف الخصوم، وبمنطق الرجل، ما على الجزائريين سوى الاكتفاء بالعيش في فرنسا وعدم الالتفات لما يشهده بلادهم، أو أن مسؤول المنبر الإعلامي الفرنسي -الذي تحولت صفحاته منذ توقيف الكاتب بوعلام صنصال إلى محاكمات ودروس في الحريات وحقوق الإنسان تمرر من الجهة الأخرى من طرف شخصيات يمينية متطرفة للمسؤولين في الجزائر- يدعو أفراد الجالية لاندماج على المقاس.

يطارد ويترصد اليمين المتطرف الفرنسي كل ما يرمز للجزائر، ويذكر “النظام”، “الحكومة”، “البلد” وتفادى النطق باسم الدولة، وكأن تلك الرؤية الاستعمارية التي تعكس حنينا لحقبة لن يكررها الزمن، والتي لا تفارق أتباع “لوبان” وروتايو” غرست فيهم عقدة تسمى “الدولة الجزائرية”، التي لم يهضموا بعد أخذها زمام الأمور، ووقوفها، وتطبيقها لقوانينها وقراراتها السيادية، ولأن الأخيرة لا تتقن النقاشات العقيمة ولا تجيد الرد على السطحيات، أخذت عدوى الجنون بكل ما هو جزائري منحى آخر بالتهجم على الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا.

قالت مجلة “لوبوان” الفرنسية -أحد منابر الإعلام اليميني بامتياز- إن الجزائر تحاول الاعتماد على جاليتها في فرنسا لتخويف خصومها في تعليق على “قضية المؤثرين” التي لا زالت تثير جدلا تسبب فيه ما يصلح أن يقال عنه التصرف الهاوي لوزير الداخلية الفرنسي “برونو روتايو”  وهرولته لاتخاذ قرار طرد أحدهم دون مراعاة إجراءات تضمنتها اتفاقية العمل والمصالح القنصلية الموقعة بين البلدين عام 1974، في حال توقيف رعايا أجانب على أراضي الجانب الآخر، وهو ما عملت مصالح وزارة الخارجية على تذكيره في بيان شرح أسباب رفضها استقبال المؤثر المطرود.

وبالعودة لاجتهادات صحفي مجلة “لوبوان” في افتتاحيته التي اختار لها عنوان “الجزائر.. سلاح الشتات”، اعتبر  المعني أن المؤثرين الأربعة على “تيك توك” الذين ألقت الشرطة القبض عليهم في فرنسا عن تهمة نشر تعليقات تحرّض على الكراهية، يوضّح توجه من طرف الجزائر لاستعمال الجالية كسلاح ضد فرنسا داخل أراضيها، وأشار إلى إنه “لا ينبغي أبدًا التقليل من حماسة المتعصبين للسلطة الجزائرية، فهم مستعدون لتوقع الأوامر التي لن تأتي أبدًا”، وأوضح الكاتب “قبل فترة ليست طويلة، وَصَفَ أحد هؤلاء المؤثرين على تيك توك نفسه بأنه “جندي من الخارج، جندي نائم” وأنه “جزائري يعيش في فرنسا ينتظر الأمر لاقتحام بلده المضيف. إن هؤلاء يطوّرون موقفا حربيا يؤجّج غضب المجانين على مواقع التواصل الاجتماعي”. وفق المجلة دائمًا، التي اعتبرت أن الهدف الرئيس لهؤلاء المؤثرين ليس فرنسا، بل الجزائريين الذين يُعتبرون “خونة’” لأنهم معادون للنظام، وفق تخمينات مدير “لوبوان”.

في السياق ذاته، ترى “لوبوان” أنه “منذ منح جائزة غونكور للكاتب كمال داود، في السادس من نوفمبر، ثم اعتقال الكاتب بوعلام صنصال في مطار الجزائر في السادس عشر من الشهر نفسه، أصبح أي صوت ناقد يأتي من فرنسا محل إدانة من قبل وسائل الإعلام والنظام في الجزائر”.

ما يفهم من الخرجة الجديدة لوسيلة إعلامية معروفة بمواقفها إزاء الجزائر -ولطالما خصصت فضاء لكتاب جزائريين لا يختلفون في الأفكار عن خطاب اليمين ورؤيته للمهاجرين الجزائريين، لملف الذاكرة، للتقارب بين الضفتين، ومواضيع أخرى، وفق إملاءات تفهم بين الأسطر- أن هذه الجالية التي تستجدي فرنسا صوتها لمنع اليمين المتطرف من دخول الإليزي، يعاب عليها اليوم التمسك بوطنها الجزائر.. فرنسا تريد جزائريين يقيمون على أرضها دون الالتفات لأصلهم.. لمهد البدايات.. تريد جالية جزائرية ترتدي لباسها.. تعتنق ملتها.. تدعم عداء أصحاب الحنين للحقبة الاستعمارية لبلدها.. فرنسا تريد جالية جزائرية بنفس الفكر الذي تغلغل لعقلي صنصال وداود ويروج له قلماهما.. جالية جزائرية تتقيد بجمهورية “الحرية- العدل-المساواة” وتنسى تراب المليون ونصف المليون شهيد.. فرنسا تريد جالية جزائرية منفصلة عن جذورها وإلا فكل التهم تنفع للفقها لأفرادها.. مفهوم الإدماج في المجتمع الفرنسي حين يتعلق الأمر بالجزائريين يكمن في التخلي عن وطنيتك.

إن كانت باريس تريد جزائريا يقيم بها يلتزم بواجب انتخابي حين تكون في خطر وتستعين بصوته عند الحاجة وترفضه حين يناديه الوطن الأم، أو تعاقبه بالحبس وتشويه السمعة، فذلك يعني أن حديث السلطات الفرنسية عن “الهجرة الانتقائية” يخفي الرغبة في أن يقصدها جيل من مهاجرين جزائريين لا يختلف عن “الحركى” الذين خدموها في زمن الثورة التحريرية، يكون لها بمثابة جيش احتياط أو أعوان مطافئ في الأزمات ويتعهد بتجاهل شمس الجزائر، وتبدو المهمة مستحيلة ما يعكس هذا الاستهداف للجالية، ومدير مجلة “لوبوان” يدرك أن نجاح فرنسا في إغراء هؤلاء الذين قدمتهم كنماذج  جزائرية ناجحة ومنح لهم الإليزي الجنسية وكرمهم بالأوسمة، قبل أن تعبّد لهم الطريق لمنصات التتويجات وتخرجهم للأضواء اختاروا صفهم ولا تتحسر عليهم الجزائر، أما أفراد الجالية الحقيقية فهم هؤلاء الذين تمتلئ بهم المطارات في العطل لقضاء أيام مع الأهل واستنشاق هواء بلادهم.. هم هؤلاء الذين لا يترددون عن تنظيم حملات تضامن في أوقات الشدة لمد يد العون لإخوانهم.. هم الذين يسمعون صرخة فيلبون النداء.. أفراد الجالية الجزائرية الحقيقيون هم هؤلاء الذين يحترمون قوانين الجمهورية الفرنسية.. يدفعون الضرائب.. يتقنون لغة موليير.. يحترمون قوانين المرور ويكدون ويجدون في عملهم هناك بل يتوجهون لأداء حقهم الانتخابي في فرنسا إلا أنهم لا يحيدون عن أصلهم، لا يديرون الظهر، لا يتمردون ولا يُساوَمون على الوطن الأم.. جزائريون مهاجرون لا يخطئون في العنوان.. جزائريون في الضفة الأخرى وتسري في عروقهم الجزائر..