المختص فـي علم الاجتماع السياسي كرايس جيلالي لـ”الغد الجزائري”

الغد الجزائري- يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة وهران الأستاذ كرايس جيلالي أن محليات 27 نوفمبر أفرزت “مجالس فسيفسائية”، مشيرا إلى حالات الانسداد التي قد تحدث على مستوى المجالس البلدية التي تحكمها النزعة “العروشية” وفي هذه الحالة أكد الباحث في علم الاجتماع السياسي بأنه لا يمكن أن ننتظر شيء من هذه المجالس التي ستزيد من معاناة المواطن على حد قوله.
ما قراءتكم لنتائج انتخابات الـ27 نوفمبر؟
قبل التطرق إلى النتائج، علينا أن نشير إلى الظروف التي أجريت فيها الانتخابات، والإصلاحات التي كرست لها الدولة، والتي أعادت بعث الأمل في العملية الانتخابية من جديد، فاليوم لا يمكن الحديث عن التزوير وعن تدخل الإدارة،بشكل مفضوح في هندسة النتائج، والتي كانت تعرف حتى قبل إجراء الانتخابات. فاليوم تغير كل شيء، كما أن الظروف مشجعة على الترشح وعلى التصويت، حيث أفرزت نتائج محليات الـ27 نوفمبر التي لم تحسم مستقبل المجالس في أغلب البلديات والولايات “مجالس فسيفسائية” والنتائج المعلن عنها، من جهة تعكس وجود نزاهة من ناحية الإشراف، كما تعكس أيضا من جهة أخرى تشتتا على مستوى الناخبين، من خلال تشتت الأصوات، وإفراز مجالس غير منسجمة وهذا ما يثير مخاوف الانسداد والذهاب إلى التحالفات وإلى ممارسات غير مقبولة في تشكيل المجالس واختيار الرؤساء خاصة على مستوى المجالس البلدية، حيث تحكمها النزعة “العروشية” و”العائلية” وبذلك تصبح مسألة رئاسة المجلس مسألة شرف ومسألة تصفية حسابات، حيث أصبحت الأخيرة هي المتحكم في تركيبة المجلس، والاتفاق على رئاسة المجلس يكون عبر وسطاء وعبر الأعيان، وبذلك تصبح الأحزاب والبرامج والوعود الانتخابية، مجرد غطاء سياسي، يشير إلى حالة من الحداثة، بينما المجتمع لا زال وفيا للانتماءات القبلية، ولا يزال الخطاب الشعبوي يتحكم في مستقبل البلديات،والمجالس الولائية، خاصة في المناطق الداخلية. وفي ذات الشأن، فإنه يمكن القول أن أغلب النتائج المحققة تشير إلى خيارين، إما الانسداد وإما أن تحل الخلافات خارج الأطر القانونية.
كيف يمكن للمنتخبين الجدد استعادة ثقة المواطن؟
هنا تكمن المشكلة والمعضلة، حيث اشرنا سابقا إلى الإصلاحات التي عرفها النظام الانتخابي ككل،والذي يمكن القول أنه قفز بعدة أشواط وتغير كثيرا بما يخدم مصداقية العملية الانتخابية، لكن المشكلة أن وعي المواطنين تغير العقليات والذهنيات يحتاج إلى وقت طويل، حتى ننتقل من الانتخاب من اجل المصلحة الشخصية والآنية، إلى الانتخاب من اجل الصالح العام، وهذا ما يتطلب وقتا، فالناخبين منقسمون إلى فريقين، فريق كبير جدا ومقاطع ويائس من العملية الانتخابية كما يئس الكفار من أصحاب القبور،وهو معذور في ذلك. وتزوير الانتخابات ومصادرة إرادة المواطنين، ليست وليدة النظام السابق، بل تعود إلى الحقبة الاستعمارية، وتم التكريس لها بعد الاستقلال، وحتى بعد الانفتاح والتعدد، وهذا ما دفع إلى تكوين كتلة واسعة من المقاطعين، وهم لا يزالون مصرين على المقاطعة، رغم التحولات التي حدثت، والتي أصبحت تشجع على المشاركة والتصويت.
أما الكتلة الثانية وهي الكتلة المشاركة والوفية للانتخابات وهي كتلة من الانتهازيين والشعبويين، والذين ينظرون إلى الأحزاب السياسية على أنها قبائل وعروش، وهم يحرصون على المشاركة من اجل إعادة إنتاج نفس إشكال السلطة، وبنفس المقاييس من الفساد، والعشائرية والشعبوية، وهم من يحافظون على المال الفاسد وعلى الانتخابات الكرنفالية، رغم وجود فئة قليلة تشارك من أجل الصالح العام، لكنها قليلة وغير قادرة على فرض فلسفتها الانتخابية، وربما مهمة المنتخبين الجدد هي تبديد هذه الصورة والقضاء عليها، لكن الأمر صعب جدا، لأن الحملة الانتخابية حكمها خطابان، قد أطلقت عليهما: خطاب حكمته مثالية أفلاطون، وقد ركز على البرامج والأفكار، وعلى مخاطبة المواطنين، ومثلته نخبة من المترشحين، ومالت إليه قلة من الناخبين، ولكنه للأسف فشل وتعرض لصدمة كبيرة. وخطاب آخر حكمته واقعية أرسطو، حيث ركز على الخطاب العروشي، وعلى فكرة أبناء العمومة، واستعمال المال الفاسد، و”الزردات” الانتخابية، وهذا ما استقبله المجتمع وتعامل وتفاعل معه، لأنه واقعي.
ما الذي يريده المواطن من المجالس البلدية والولائية؟
لسنا أمام مواطن واحد، بل نحن أمام عدد من المواطنين، كلهم يريد تطبيق القانون، لكن لا أحد ينتخب من يطبق القانون، وهنا المشكلة، فالسواد الأعظم من الشباب والمثقفين، يقاطعون العملية الانتخابية، انتخابا وترشحا، وفي نفس الوقت ينتظرون مجالس تسيطر عليها النخبة، وتحترم قيم الجمهورية وتأسس لدولة الحق والقانون، وكأنهم لا يعلمون أن التغيير لا يكون بالتمني، بالعمل والمشاركة وبث الأمل، ومواكبة الإصلاحات.
وجزء آخر من المواطنين، يشاركون ويبحثون عن التغيير لكنهم أقلية قليلة وصوتها غير مسموع، ومن تصوت لهم لا ينجحون دائما، لأنهم يدخلون الانتخابات بالأفكار والبرامج، ويخاطبون المواطنين، ويبتعدون عن كل أشكال “البزنسة ” والمال الفاسد، و”الزردات” و”الوعدات”، لكن دائما يخذلون من طرف الأغلبية الصامتة التي تمدحهم وتساندهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي فقط.أما الجزء الآخر من المواطنين، وهم أقلية لكنهم تحولوا إلى أغلبية من خلال المشاركة والحرص على التصويت، والحرص على التفاعل مع الخطاب “الشعبوي” والمال الفاسد، والجهوية والعروشية ، وهؤلاء هم أكبر مشكلة، ودائما يعيدون إنتاج الفساد، عن طريق بيع ذممهم، أو الانتخاب لصالح عشائرهم وقبائلهم دون أدنى اهتمام للصالح العام، وهذا ما يؤدي إلى تحول المجالس المنتخبة إلى مجالس للعروش وللعائلات، التي تنصرف إلى قضاء مصالحها الشخصية بدل خدمة المواطن.
ما هي أبرز التحديات التي تواجهها هذه المجالس؟
يجب علينا أن لا نعطي المجالس المحلية أكثر من حجمها، فهي أصلا مكبلة بالقوانين، ولا تستطيع مباشرة أي شيء خاصة على مستوى تحريك عجلة الاقتصاد، أو خلق الثروة، ولذلك كل ما هو منتظر منها هو التسيير الحسن والتنفيذ الحسن للمشاريع التي تبرمجها الدولة، لكن حتى هذا يصبح مستحيلا، عندما تنتخب المجالس بالشكل الخاطئ أو بالشكل التقليدي والذي يتنافى مع فكرة الحداثة وفكرة المؤسسة، فالمجالس التي تنتخب عن طريق العروشية، ومن خلال المال الفاسد، والتحالفات غير المنطقية.
فمثلا من مفارقات الانتخابات المحلية، أن يتحالف اثنان من حزبين مختلفين، قبل الانتخابات وأثناء الحملة، لكن ينتميان إلى عرش واحد، أو عائلة واحدة، وكل واحد يدعم الأخر في قائمته، مثلا على المستوى البلدي والولائي، ولذلك تجد تناقضات في النتائج، فتجد الحزب “س” في نفس البلدية تحصل على الأغلبية في المجلس البلدي، بينما لم يتحصل على شيء في المجلس الولائي، والحزب “ج” تحصل على الأغلبية في المجلس الولائي بينما لم يتحصل على شيء في المجلس البلدي، هنا تفهم أن العملية بعيد كل البعد عن روح المواطنة والنضال الحزبي وهي خاضعة للولاءات العائلية والقرابة.
تعليقات 0