المراحل الانتقالية.. فخ التدخلات الأجنبية

الغد الجزائري-  تشهد المنطقة العربية مرحلة تاريخية هامة، تميّزها أزمات عديدة ومتعددة، وفوق الذي تعانيه غزة المكلومة ولبنان والسودان واليمن، طفت إلى السطح سوريا بمرحلة انتقالية تذكّر بمعضلة ليبيا التي غرقت منذ سنوات في هذه المرحلة هي الأخرى دون أي أفق للخروج منها نحو مرحلة وحدة واستقرار وترافق، وعليه فإن الدول العربية حاليا تسارع من خطواتها للتشاور حول المرحلة الانتقالية الحالية في سوريا لتجنّب تكرار سيناريو المراحل الانتقالية في المنطقة، والتي تفتح الأبواب للتدخلات الأجنبية، لإسقاط الحكومات الانتقالية في فخاخ الانشقاق والتناحر والصراعات السياسية والأيديولوجية وحتى العسكرية على حساب مصالح الشعوب العربية، وهو الذي تحذّر منه الجزائر وتصرّ على غلق المنافذ أمام هذا النوع من التدخلات عبر إحلال السلام بالحوار والتوافق بين كل أطياف المجتمعات العربية.

يرى متابعون أن سوريا أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء البلاد وتحقيق الاستقرار، والتأسيس لمرحلة جديدة، بينما يشير آخرون لتحديات ضخمة تواجهها البلاد في ظل واقع معقد محليا وإقليميا ودوليا، فالمعارضة السورية الحالية تتسم بتعدد الأطياف بين الفصائل المسلحة ذات المرجعيات الإسلامية والأيديولوجية إلى جانب القوى السياسية الليبرالية، وهذا التنوع يمثل تحديا للوصول إلى توافق حول شكل الدولة المقبلة.

وفي هذا الصدد، يذكر بعض المحللين ويحذرون من تكرار الفوضى التي غرقت فيها ليبيا في سوريا، حيث كانت مبررا لتدخلات أجنبية مختلفة، غذّت الفشل السياسي في مواجهة العنف وتفتيت البلاد، مما أدى لانسداد الطريق أمام المبادرات السياسية المختلفة في سبيل ضمان انتقال سلمي وتوافقي، حيث تم إبعاد الحلول السياسية منذ بداية المرحلة الانتقالية في ليبيا، مقابل إذكاء الأطماع دون إرساء أسس إعادة بناء الدولة، وهذا ما شكل أرضية خصبة لمضاعفة التدخلات الأجنبية وكما يقال “كان هناك الكثير من الطباخين”. وفي هذا السياق، تسعى دول عربية عديدة، على رأسها الجزائر ومصر وتونس والأردن والعراق، من أجل تفادي فخ مرحلة انتقالية جديد في سوريا، إذ تلقى وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، مكالمة هاتفية من نظيره المصري، لتبادل الرؤى بشأن التطورات في سوريا. كما استقبل وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، أمس، بمقر الوزارة، سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية بالجزائر، إليزابيث مور أوبين لتبادل وجهات النظر حول مستجدات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، حسب بيان الخارجية.

وحسب كالة أنباء الشرق الأوسط، أجرى وزير الخارجية المصري عبد العاطي اتصالات هاتفية مع كل من الجزائري أحمد عطاف، ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية بدولة الإمارات عبد الله بن زايد، ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشئون المغتربين بالمملكة الأردنية أيمن الصفدي، ونائب رئيس الوزراء ووزير خارجية العراق فؤاد حسين، وتبادل المعنيون التقييمات بشأن المستجدات في سوريا.

وأكد وزير الخارجية المصري موقف مصر الداعم للدولة السورية واحترام سيادتها ووحدة وسلامة أراضيها، وشدّد على ضرورة تكاتف الجهود الإقليمية والدولية لاستعادة الاستقرار على كامل الأراضي السورية. ودعا إلى حشد الدعم الإقليمي والدولي لسوريا خلال المرحلة الانتقالية، وتدشين عملية سياسية شاملة تضم كافة أطياف ومكونات الشعب السوري وبملكية سورية، دون تدخلات خارجية لتمهيد الطريق لعودة الاستقرار إلى سوريا.

في هذا الصدد، كانت الجزائر قد دعت الأطراف السورية إلى الوحدة والسلم والعمل للحفاظ على أمن الوطن واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه. وجاء في بيان لها عقب إسقاط نظام الأسد: “تتابع الجزائر باهتمام بالغ تطورات الأوضاع الأخيرة والتغيرات المتسارعة التي تشهدها الجمهورية العربية السورية، وتدعو كافة الأطراف السورية إلى الوحدة والسلم والعمل من أجل الحفاظ على أمن الوطن واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه”. ودعت الجزائر إلى الحوار بين أبناء الشعب السوري، بكافة أطيافه ومكوناته، وتغليب المصالح العليا لسوريا والحفاظ على أملاك ومقدرات البلاد والتوجه إلى المستقبل لبناء وطن يسع الجميع في ظل مؤسسات نابعة من إرادة الشعب السوري بعيدا عن التدخلات الأجنبية.

في سياق آخر، استضافت العاصمة الليبية طرابلس المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول الجوار الليبي، في ظل ظرف أمني إقليمي متوتر، بمشاركة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، ورؤساء أجهزة الاستخبارات العسكرية لكل من تونس والجزائر والسودان والنيجر والتشاد، بهدف “مناقشة التحديات الأمنية التي تواجه ليبيا مع دول الجوار من الإرهاب والجريمة المنظمة والأزمات الإنسانية ودعم التعاون والتنسيق المستمر والفعال بين الأجهزة الاستخباراتية وبناء قنوات اتصال لمواجهة هذه التحديات”، حسب بيان لرئاسة الأركان العامة للجيش الليبي.

وخلال الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، أكد عبد الحميد الدبيبة “أنه لن يسمح أن تكون بلاده “ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية ومأوى للعناصر العسكرية الهاربة من بلدانها”.

في السياق، قال الرئيس السابق للجنة الوطنية التونسية لمكافحة الإرهاب مختار بن نصر، في تصريح لـ”سبوتنيك”، إن هذا المؤتمر ينعقد في وضع أمني يتميز بالاضطراب والفوضى، مشيرا إلى أن الوضع في سوريا سيغيّر المعطيات الأمنية التي تستدعي إجراءات استباقية، من قبيل عودة العناصر المتطرفة إلى بلدانها الأصلية، وهو ما قد يؤدي إلى حدوث تصعيد للعمليات الإرهابية في عدة بلدان.

وفي تعليق حول تصريح الدبيبة بعدم السماح بأن تكون بلاده ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية ومأوى للعناصر العسكرية الهاربة من بلدانها، قال بن نصر: “إن ليبيا معروفة بهشاشتها الأمنية وبعدم قدرتها على بسط نفوذها على كامل حدودها، وهذا الوضع سمح للمجموعات المتطرفة داخلها باستقطاب المجموعات القادمة من دول أخرى”.

بدوره، أكد العميد المتقاعد من الجيش التونسي توفيق ديدي، في تصريح لـ “سبوتنيك”، أن الوضع في سوريا كان محرّكا رئيسا لانعقاد المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا. وأوضح: “هناك اتفاق عربي على أن ما حدث في سوريا هو أمر مدبّر”. وشدد على أن إسقاط نظام بشار الأسد كان “عملية استخباراتية بامتياز قادتها قوى إقليمية بعينها”. وأضاف: “يجب التذكير بأن ليبيا كانت مسرحا لتواجد قوى بعينها، بعضها أتى للمساعدة، والبعض الآخر أتى يريد منها شرا”. وتابع: “لقد أثبتت الأحداث وجود أطراف إقليمية تشتغل ضد المصالح العربية وتبحث عن زعزعة استقرار المنطقة وإضعافها وتدمير دول بعينها رعاية لمصالحها.. وما يحدث لمصر خير دليل على ذلك، فمنذ سقطت سوريا اتجهت الأنظار نحو مصر لمحاولة زعزعة استقرارها”.

فريدة.ح