جمال مناد.. الشوط الأخير
مسيرة مثالية صنفته هدافا بالفطرة وسنين عطاء لقميصيّ المنتخب و"جومبو جات"

فقدت الساحرة المستديرة في الجزائر واحد من أبرز لاعبيها الذين أبدعوا في المستطيل الأخضر وأهدوا الأفراح لعشاقها لسنوات. رحل جمال مناد الذي عرفته كرة القدم هدافا بالفطرة.. كان كابوسا لحراس المرمى فوق الميدان ورجل المبادئ والخلوق خارجه. رحل جمال ملتحقا بمن شكل معهم صفحة لا تتكرر عبر الأزمنة لجيل موهوب جمع بين الوفاء لألوان المنتخب الوطني والانضباط، من المدربين مخلوفي وخالف ورفقائه في شبيبة القبائل من أمثال الحارس سرباح، المدافع لرباس والمهاجمين بحبوح ومغريسي.. كان مع هؤلاء في تلك المجموعة التي جعلت من “جي اس كا” قلعة الألقاب لمواسم طويلة وحولوا اسمها لعنوان الزعامة محليا وقاريا وبأسلوب لعب سبق ما كانت تقترحه أعرق الأندية الوطنية والإفريقية في ذلك الزمن الجميل.
ترك مناد -المولود بتاريخ 22 جويلية 1960 بولاية البيض- والمنحدر من قرية آث بومهدي ببلدية واسيف في تيزي وزو بصمته في تاريخ كرة القدم الجزائرية، مع شبيبة القبائل بالدرجة الأولى ومع المنتخب الوطني الذي يعتبر أبرز هدافيه التاريخيين.. فاز جمال بالعديد من الألقاب الوطنية والقارية، بما في ذلك كأس أفريقيا للأندية الأبطال في عام 1981 وكأس الجزائر في عام 1986. وبطولة الجزائر لخمس مرات كما احترف في أوروبا، ولا سيما في فرنسا مع نادي نيم وفي البرتغال مع “فاماليكاو” و”بيلينينسيس”.
مع المنتخب الوطني، سجل جمال 25 هدفاً في 81 مباراة دولية خاضها وكان أحد مهندسي فوز “الخضر” في كأس الأمم الإفريقية 1990 بقيادة طاقم التدريب المرحومين كرمالي- عبدالوهاب وزميله السابق في الشبيبة والمنتخب علي فرقاني، وأنهى المنافسة علي الصعيد الشخصي بلقب أحسن هداف بتوقيعه 4 أهداف، كما لعب نهائيات مونديال 1986 بالمكسيك.
جمال المحب للفوز قطع مشوارا يليق بالجيل الذي ينتمي إليه.. من شباب بلوزداد انتقل إلى شبيبة القبائل فامتزجت احترافية الثنائي الخالد “خالف-زيفوتكو” مع انضباطه، ولم يجد مناد المبدع عائقا في التأقلم وكان لسنوات مرعب حراس المرمى في البطولة الوطنية، يقود القاطرة الأمامية للنادي ويرسم للجماهير التي سرعان ما كسب احترامها لوحات صنعت منه قلب الهجوم المثالي وظل الرقم 9 الذي حمله يذكر الأجيال برصيد المهندس والفنان، والصفتان لا تنصف بالتمام والكمال عطاؤه.
احترف جمال في أوروبا، إلا أنه حين عاد فضل نادي القلب، فكان اعتزال الميادين كلاعب في شبيبة القبائل وبإهدائه لقبا قاريا أخر في 1995، وتلك الفرحة بملعب 5 جويلية الأولمبي بكأس إفريقيا للأندية الفائزة بالكؤوس أمام “جوليوس برجر”، وكان لجمال الفضل الكبير في رفع التاج، بتوقيع هدف في الذهاب بمخالفة مباشرة، وهدف في الإياب أعاد التوازن لرفقائه بعد أن كانوا منهزمين. عاد مناد للشبيبة وصنع انتصارات لاعبا ثم مدربا مع المرحوم جعفر هاروني، قبل خوض تجارب التدريب مع أندية أخرى، على غرار شبيبة بجاية، اتحاد العاصمة، مولودية الجزائر وشباب بلوزداد، نصر حسين داي ولفترة قصيرة باتحاد الحراش. وفي كل محطة ظل جمال الرجل المحب للعمل.
كان مسطرة الانضباط شرطا في كل نادي أشرف على تدريبه.. لم يكن مشوار التدريب الذي عرفه جمال مليئا بالألقاب بحجم مسيرته كلاعب، لكن الجميع يشهد له بالتقاني في أداء مهامه.. ولم يكن ذلك من فراغ وهو الذي خضع لتكوين من مستوى عالي متخرجا بشهادة في المجال بهامبورغ الألمانية، حيث الصرامة عنوان كل خطوة.
كانت لجمال مناد فرصة الإشراف على المنتخب الجزائري، حيث كان مساعدا لزميله السابق رابح ماجر، لكن التجربة كانت قصيرة وبنتائج واجه بها الطاقم لوم الجماهير الذي خرج -في أكثر من مناسبة- عن الأعراف، وانسحب جمال لفترة بما تمليه أخلاقه التي سير بها مسيرته في الملاعب، وتولى آخر منصب في فريق القلب الذي استنجد به في أحلك الأوقات حيث كان مديرا فنيا لشبيبة القبائل قبل أن يرمي المنشفة، وهو الذي رفض دوما الفوضى والغموض.
رحل مناد تاركا الذكريات الجميلة لاعبا ومدربا.. ربح الرهان وكسب العديد من التحديات لتنتصر الأقدار في الشوط الأخير، والفارق أن جمال يظل المرجع للأجيال في الاحترافية، في الأخلاق..
وكم كنت كبيرا وخلوقا جمال مناد..
تعليقات 0