جنوب بيروت.. امتحان السلم

الغد الجزائري- توقف القصف وصوت الرصاص في جنوب لبنان، بعد اتفاق لا يضمد الجروح بسرعة، والكيان الصهيوني الذي اقتنع بالسلم الحذر لا يؤتمن في كل لحظة، والنازحون الذين عادوا للوقوف على حجم الخراب يدركون ذلك جيدا، فهم يعرفون أي عدو يواجهونه، وكيف يفكر ونوع أطماعه، والثمن الذي دفعوه في كل مرة تستنفر المقاومة الصفوف، إلا أن الأهم في المعادلة سيادة لبنان وجيشها وشعبها، وعدم تفاقم الأزمة وحقن دماء الأبرياء، لعل معركة الإعمار تنطلق ويتصالح السكان مع اليوميات بمرارتها وتحدياتها، ولبنان لا يتألم إلا حين يتم المساس بوحدته، ويريد رؤية المستقبل بعين الجماعة كتلك اللقمة التي اقتسمها النازحون منذ قرار إسناد غزة في 8 أكتوبر 2023.
يقولون عنه تارة هو سلام دائم ويراه البعض الآخر فترة راحة لجيش الاحتلال ريثما يستعيد أنفاسه ويتعزز بالسلاح والذخيرة، وكان عليه قبول الاتفاق مجددا وفي كل هذا لا يملك النازح خيارا، ولا تفكيرا غير محاولة العودة للحياة الطبيعية، في صور السيارات التي عادت من شمال إلى جنوب بيروت لما يشبه البيوت، للوقوف على دمار الحرب والركام والحطام، تماما كما تشتت يومياتهم منذ أزيد من عام، واللبناني المتعود على المزاج المضطرب للعدو، لا يزال وفيا لوصية الشهداء، فالأرض أغلى من البيت والعلم أعلى من تلك الأحلام التي يصنعها مع العائلة والأقارب وبقية أبناء الوطن.
تسقط زخات المطر فوق خيام النازحين من بيوتهم في غزة، بينما تنقل وكالات الأنباء تفاصيل ومساعي وقف إطلاق النار بين الكيان وحزب الله.
تتحدث الصحف الغربية عن الجهود الأمريكية- الفرنسية لإيقاف القتال على حدود بيروت، بينما تلتزم الصمت أمام قرار المحكمة الجنائية الدولية بضبط وإحضار نتنياهو ووزير دفاعه باعتبارهما مجرمي حرب، لعل الأول يريد المزيد في قطاع فعل فيه وبه كل شيء.
أمريكا ودول أوروبا بدأت الاهتمام بلبنان بعد تأكدها من خطورة استمرار تدميره، الذي قد يجبر إيران على الحرب المباشرة، وهو ما سوف يؤدى إلى تداخل الحسابات في خريطة الشرق الأوسط، بعدما بدأت روسيا في التقدم واحتلال مزيد من الأراضي بأوكرانيا بما يعنى سيطرتها على مساحات أكبر في أوروبا. أوروبا تحركت لأنها ستعاني من نيران قادمة من جنوب المتوسط وأخرى ضاغطة عليها من ساحة القتال بين روسيا وأوكرانيا. ما يحدث.. يعنى أن المصالح المشتركة الأمريكية- الأوروبية قد تتأثر بسبب استمرار العدوان الصهيوني على لبنان، وهو ما لم تشعر به أمريكا ولا أوروبا بالقدر الكافي عند تدمير نتنياهو لغزة وتسويتها بالأرض. لا داعي للبحث عن انتصارات، فهي حرب عام بلغ فيه الشجن درجات لا يقاس بها ومعايير تلغي التصنيف وأوصاف لا تنصف ولا تعدل. يعود النازح ليتفقد ويصطنع عنوانا بعد أن تعلم كيف ترغمك الرغبة في النجاة على التأقلم مع التشرد والمبيت على أرصفة الطرقات وفوق الجسور.. حرب تتوسل فيها السماء أن تكون حريصة على أمنك من غدر صاروخ أو مسيرة. الأرض في لبنان ككل أراضي البلدان الأخرى أغلى وفي السلم أفضل وأجمل وبصوت الشعب الواحد. وتلك الرسالة تجسدت في صور التضامن بين جنوب لبنان وكل ضواحيه.
صورة طرق جنوب لبنان فجر أمس بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، كانت تقول “ما أقبح الحرب وما أجمل العناق بعد الدمار”.
الكيان فكر في إرجاع المستوطنين لقرى الشمال ولم يبال بالآلاف الذين شردهم في الضاحية الجنوبية لبيروت وغزة، ولم يبال بكل صور الموت التي يتم نقلها يوميا وتوقف الحرب في جهة واستمرارها بقطاع غزة المكلوم يعني الكثير، لهذا يرفض البعض الحديث عن إنجازات وانتصارات.. كانت جبهة إسناد نعم وبعد أن سكت الرصاص، من حق أهل غزة خشية الاستفراد بغزة ومن حقهم أيضا الضغط على إنهاء المآسي… لبنان وفلسطين يستحقان أفضل.. وشعبيهما يحبان الحياة والأصعب أن يخضعا لحرب لا تحمل عنوانا.
تعليقات 0