درينكور.. نعيق في رواق اليأس

الغد الجزائري- باتت خرجات السفير الأسبق لفرنسا بالجزائر، كزافيي درينكور، سدا للفراغ الذي يتركه الوجهان البارزان لليمين المتطرف، “مارين لوبان” و”إريك زمور”، أو لعل بينه وبين الثنائي تفاهم على مناوبة تتعلق بجعل الجزائر والجزائريين الحاضرين الدائمين في نقاشات الساسة هناك، في شكل ومضات إشهارية تٌنسي الفرنسيين الانشغال بحكومة تبحث عن ثقة وبلد يبحث عن ضالته من كثرة الهزات السياسية والاقتصادية، ورغم الواقع المحلي الذي يمنح ل “درينكور” فرصة تنوير الرأي العام بالضفة الأخرى واقتراح حلول للمأزق والانسداد، إلا آنه لا يجد  أفضل من الجزائر لاستقطاب ولفت انتباه القراء حين يختارها عنوانا مألوفا لمساهماته ومقابلاته مع منابر الإعلام الفرنسي، ليعود الخميس الماضي، للحديث عن ضرورة إلغاء اتفاق 1968، الذي لا يزال يصر أنه منح العديد للمزايا لرعاياها، كما لم يتوان الرجل في الذهاب بعيدا بخصوص مسألة المساومة حول منح التصاريح القنصلية لتنفيذ أوامر ترحيل “الحراڤة”، حيث اقترح غلق بعض القنصليات الجزائرية بفرنسا لإرغام السلطات على التعاون أكثر، في سابقة رفع بها درجة تطرفه رغم أنه يتحدث بصفة دبلوماسي متقاعد لا أكثر. 

يعتقد درينكور أن صمت الجزائر على مختلف خرجاته ومحاولاته لعب دور ملقن الدروس الدبلوماسية ضعف، وعليه يكثف ويجتهد في المساهمات عبر منابر الإعلام التي تشاركه أفكاره العدائية، لتمرير بعض الرسائل لعل “الإليزي” يأخذ بها ويتم “تهذيب” و”تأديب” هذا البلد المغاربي الذي يعتبره من كان سفيرا لفرنسا لديه لمرتين 2008/2012، و2022/2020، ولم يقف طيلة تلك السنوات سوى على كرم شعبها، ولا يمكن فهم الضغينة التي يكنها له -والتي لم يكفيه كتابا أصدره منذ خمس سنوات ليتوقف عن التعبير عن تفاصيلها- سوى أن الرجل نصّب نفسه الأدرى بتفكير الجزائريين وصاحب آليات الفك والربط في التعامل معهم.

عاد السفير الأسبق، هذا الأسبوع، لمديحه المفضل، والمتمثل في اتفاق 1968، في مقابلة مع “لوفيغارو ماغازين”، وبات درينكور المنظّر الأول للتيار المعادي للجزائر في فرنسا، بل أن كتاباته تحولت لمصدر إلهام لليمين المتطرف الذي يلعب على وتر تخويف الفرنسيين من الحضور الجزائري في بلادهم.

وتحدث هذه المرة عن الحلول، وفصّل مساوماته وعدائه وحقده، وكأن هذه الجزائر التي لا تزال تتجاهل تعليقاته – قناعة أن الكلام في رواق الدبلوماسية الموازية التي يتقنها درينكور تصنف في خانة التفاهة، وبدل رد لا يليق بعظمة الجزائر، يكون الصمت أقنع وأذكى- تملك كل الوقت لتنصت لأمثاله وتسمع وتطيع، وهي التي تعوّدت التعامل مع من يحترمها والدولة رسميات وليس قصاصات جرائد، ويبدو أن تقاعد كزافيي درينكور أنساه الممارسات التي يفرضها الحديث مع بلد ذات سيادة وبرجال لن يرغمهم على قراءة ما يقضي به على روتين يومياته بالتوجه للتهجم على الجزائر عبر  صحافة بلاده.

ومثل سابقاته من المساهمات والخرجات الإعلامية، مزج السفير الفرنسي الأسبق في مثابلته بين الأكاذيب والمساومة، كما اقترح أدوات ضغط جديدة غير مسبوقة، على غرار “إغلاق القنصليات الجزائرية”. وكان درينكور أول من دعا إلى الانسحاب من اتفاق 1968، وأطلق الفكرة في ماي 2023

وفي وقت يتميز بعلاقات ثنائية متوترة بين البلدين، لا يزال درينكور والقطب اليميني المتطرف الذي يحسب عليه يضعان الجزائر ورعاياها في فرنسا في صدارة استفزازاتهم٫ ليؤكد، الرجل هذه المرة أيضا، أن “الجزائريون يشكلون 40٪ من المهاجرين في فرنسا”، رغم أن الرقم الوحيد المتاح والأصح – كشفت عنه وزارة الداخلية الفرنسية- يقدر عدد الجزائريين بنسبة 12% من الأجانب الموجودين في فرنسا، وهي نفس نسبة رعايا المملكة المغربية.

ورغم نفي العديد من المختصين في العلاقات الفرنسية -الجزائرية، يصر السفير الأسبق على محاولاته إقناع الجميع بأن اتفاقية 1968 “تمنح الجزائريين امتيازات عديدة”، بما في ذلك الاستفادة -بشكل أسرع من الجنسيات الأخرى- من إجراء “لم الشمل الأسري”، السماح للطلاب بالعمل، الحصول على مسكن خاص، إقامة خاصة، قانون خاص بالتاجر، ليضيف قائلا “40٪ من المهاجرين في فرنسا، جزائريون، وهم لا يعتمدون على القوانين التي أقرها البرلمان، بل يعتمدون فقط على اتفاقية 1968″، موضحا أنه بفضل هذه الوثيقة الموقعة منذ سنة “لا يحتاج الجزائريون إلى تأشيرة إقامة طويلة للاستقرار بفرنسا”، كما أنها تسمح للجزائريين بدخول فرنسا بتأشيرة سياحية وإثبات أنفسهم من خلال “اللعب على مختلف بنود هذا النص”.

وفي اعتراف ضمني بترويجه لأفكار اليمين المتطرف، يقول كزافيي درينكور إن وزير الداخلية الحالي برونو روتايو -الذي يؤيد فكرة إلغاء هذه الاتفاقية- لا يمكنه فعل ذلك لكون مثل هذا القرار” ضمن صلاحيات رئيس الدولة”.

وبخصوص ما يقترحه لدفع الجزائر على إصدار المزيد من التصاريح القنصلية، يعود دريتكور لأسطوانة “جوازات السفر الدبلوماسية” التي تسمح لحامليها بدخول فرنسا بحرية.

وقال إن ذلك تم إقراره “من خلال تبادل الرسائل بين وزيري خارجية البلدين عام 2007، ويكفي التنديد بهذا التبادل دون المرور على رئيس الجمهورية لإنهاء العمل به”، كما يقترح أيضًا الوقوف ” على الدوائر المالية والعقارية الجزائرية بفرنسا، وخاصة في باريس ونويي” والاهتمام “بشبكات مسجد باريس” التي -حسب قوله- “تؤدي دورًا هاما في معاكسة السلطات الفرنسية.”

ودون حرج وفي تقمص لدوري أعلى مسؤول في الدولة الفرنسية والناطق باسم اليمين المتطرف -الذي يجيد تمثيله ولا يأبه لتداعيات وحصاد أفكره- يذهب السفير الأسبق بعيدا في عدائه للجزائر ومحاولة “إرغامها” على التعاون مع باريس أكثر لترحيل المهاجرين غير النظاميين، يقترح كزافيي درينكور غلق بعض القنصليات الجزائرية لدى فرنسا، ويقول في هذا الشأن ” بإمكاننا استدعاء بعض القناصل الجزائريين لتذكيرهم ببعض النقاط، بل حتى غلق قنصليتين أو ثلاث للعبرة.”

ولم ينس الالتفاف لحل آخر يتمثل في تقليص عدد التأشيرات، وذكر درينكور أن الإجراء لجأ إليه شخصيا حين كان سفير بلاده لدى الجزائر ليضيف “في عهدي، انخفض عدد التأشيرات التي تمنح للجزائريين إلى أقل من 260 ألف تأشيرة، بعد أن كان عددها413  ألف، ولم تقم القيامة على ذلك” قبل أن يخرج عن الحلول الفرنسية، حيث اعتبر أن اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر “وسيلو مهمة للضغط على الحكومة الجزائرية”.

خلاصة وختام الحكاية آن درينكور تكلم وهو على التماس لا يملك أية صفة، والجزائر لا ترد سوى على فرنسا الرسمية، والمسألة تتعلق بالمبادئ التي يعتقد السفير المتقاعد أنه غير معني بالتقيد بها مفضلا رواق النعيق، حتى وٌن لم ينصت له أحد، بما في ذلك السلطات العليا في بلاده.