زيمراي.. سيادة الدول أسمى من “حرية الفكر”

أعلن عن لجوئه للأمم المتحدة وهيئات دولية لضمان "العدالة" لموكله صنصال

يلف ويدور فرانسوا زيمراي -الذي يصنع الحدث في الضفة الأخرى بتقديم نفسه محاميا للكاتب بوعلام صنصال منذ نوفمبر الماضي- ولا يغفل الرجل عن استمالة الأضواء بذريعة المرافعة من أجل موكله، ونفث السموم على الجزائر التي لا يزال يلفق لها تهمة “الاعتقال التعسفي” لكاتب “مسن ومريض”، وبهذه الذريعة قرر الرجل التوجه نحو الأمم المتحدة وهيئات حقوق الإنسان الدولية بمزاعم التنديد بما اجمع عليه الرسميون الفرنسيون مع اليمينيين، وكل من نصب الكاتب المذكور “فولتير فرنسا” منذ نوفمبر الماضي أنه “اعتقال تعسفي” دون أي التفات لخطورة تصريحاته ومساسه بسيادة الجزائر، وحين ترى فرنسا أن حرية الفكر لصنصال أسمى من احترام الجزائر، لا يصعب على المرء فهم الرسالة.

بعيدا عن القذف، لم يتحدث بعد الرجل عن خطورة ما قاله “موكله” بخصوص الجزائر، بل يلح ويصر أن ذلك يدرج ضمن خانة حرية التعبير، ورغم أن عميد المحامين، محمد بغدادي، قال في تصريحات سابقة أن صنصال راسل قاضي التحقيق إعفاء كل طاقم الدفاع -بما فيهم زيمراي- ورغبته في الدفاع عن نفسه دون محامين، إلا أن رجل القانون رد أنه غير مجبر على تصديق الرواية وأن موكله لم يوجه له أية مراسلة من هذا القبل وسيواصل إسماع صوته.

وبعد الندوات الصحفية واستغلال برامج قنوات اليمين للحديث عن وضع صنصال في السجن، وفي تطور جديد للقضية، خرج فرانسوا زيمراي، أول أمس الثلاثاء، بنبرة المتحدي أو لعلها أداة ضغط عقيمة على سير التحقيق والعدالة الجزائرية، بعد 4 أشهر من توقيف “موكله” معيبا على السلطات في الجزائر رفضها منح المحامي التأشيرة ” لتمكني من التواصل معي وضمان الدفاع المناسب له.

ووفق ما نقلته مجلة “ماريان” الفرنسية، فإن المحامي زيمراي نفا لما صرح به نقيب المحامين في الجزائر مؤخرا، بأن صنصال قام بتغيير جميع محاميه الجزائريين والفرنسيين، مفضلا الدفاع عن نفسه، حيث أكد أنه لم يتلقَ أي إلغاء رسمي من موكله “ما يثير تساؤلات حول مدى صحة هذه المزاعم”

وفي ظل هذه التطورات، تشير الصحيفة الفرنسية إلى أن الدفاع الفرنسي الممثل لصنصال قرر اتخاذ موقف وضفه بـ ” الصارم”، حيث أعلن أول أمس الثلاثاء 11 مارس، أنه سيتوجه إلى عدة هيئات تابعة للأمم المتحدة، مشددا على أن “غياب الدفاع يعني استحالة إجراء محاكمة عادلة، مما يجعل الاحتجاز غير قانوني“. وأشار المحامي، حسب المصدر الإعلامي ذاته إلى أنه التزم طوال الفترة الماضية بالإجراءات الجزائرية، لكنه لم يتلقَ أي معاملة بالمثل، موضحا أنه قدم عدة طلبات للحصول على تأشيرة لزيارة موكله “لكنها قوبلت بالتجاهل دون أي رد رسمي من السلطات الجزائرية.

وزعم الرجل أن الإعلام الجزائري شن حملة معادية له، مشيرا إلى أنها تخللتها ما أسماه “نبرة معادية للسامية دون أي رد فعل من الحكومة الجزائرية” ما يعكس بحسبه “غياب استقلالية القضاء في البلاد” وفق ما نقلته الصحيفة الفرنسية المذكورة.

وفي تحركه القانوني، أوضح زيمراي أنه سيلجأ إلى “الإجراءات الخاصة” للأمم المتحدة، بدءا من المقرر الخاص باستقلال القضاة والمحامين، معيبا على السلطات الجزائرية “تجاهل قرينة البراءة”، كما أشار المحامي الفرنسي إلى أنه سيقدم ملف القضية إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان، الذي يشرف على مجموعة العمل المعنية بـ “الاحتجاز التعسفي”، في محاولة لتسليط الضوء على ما يزعم أنها ” انتهاكات يتعرض لها صنصال” إلى جانب والمطالبة بالإفراج عنه فورا، وأشار إلى أنه يحظى بدعم الاتحاد الدولي للمحامين ونقابة محامي باريس.

بعيدا عن تصريحات موكل “زيمراي” -كما يقدمه المحامي الفرنسي- والتي تصلح أن تنسب لتلميذ يجهل دروس التاريخ والجغرافيا، رغم أن الكاتب يدرك أنه قالها لترضي التيار المحسوب عليه -بما يخدم مصالحه- ولو كان ذلك يمس بسيادة ذلك الوطن الذي درس فيه وعمل في إحدى قطاعاته الوزارية إلا أن الصرخات الداعمة له من أصدقائه العنصريّين في فرنسا، لم تكن مجرّد تضامُن مع كاتب يصفونه بـ”فولتير الجزائري” و”المفكّر شديد التحرُّر”، فهي بقدر ما حملت طابعاً استعماريا؛  شُنّت من منابر إعلام اليمين واليمين المتطرّف ضدّ وجود الجزائر باعتباره كياناً سياسياً، وضدّ الجزائريّين كشعب قاوم الإجرام الاستيطاني الفرنسي على مدار أكثر من قرن.

في “قضية صنصال” التي حاول الإعلام المهيمن مع “أنطوان غاليمار”، ناشر الكاتب ومُحتكِر ساحة النشر بفرنسا والفضاء الفرنكفوني، في محاولةٍ لا تخلو من الدكتاتورية، لفرض سردية “بوعلام صنصال التقدُّمي والمتنوّر” وتقديمه على أنّه “كاتبٌ معارض للإسلاميّين والسلطة”. ولم تنجُ من هذه السردية جرائد أخرى معروفة بالوسطية، على غرار “لِبيراسيون” و”لوموند”، بينما أُوصدت الأبواب الإعلامية ذاتها أمام أصوات جزائرية فرنسية أُخرى لديها وجهة نظر مختلفة، أو تلك التي يمثل أصحابها الإبداع الجزائري الذي لم ينبطح ولم يطعن في الجزائر رغبة في الجنسية الفرنسية باقتراح خدماتهم لتيار لم يتقبل بعد سيادة الجزائر على ترابها، قرارها وعدالتها.

محامي صنصال الذي يعتقد أن تدويل القضية سيُخضع الجزائر، يقتات من لقمة “العداء للسامية” الذي غالبا ما تخرج به فرنسا كلما وصلت للطريق المسدود بفرض أسلوب حياة وتصرف للجزائريين، والمنطق يفرض عليه كقانوني أن يتصرف بمبدأ أن كل تصريح منحرف عن هذه الجزائر المستهدفة يحتاج لتفسير، ولا وسيلة لتصويب الانحراف إلا القانون.