عقيدة اليمين بهرم الدولة الفرنسية.. نسف التقارب
بعد تصريحات ماكرون.. روتايو مستعد لتحمل مسؤولية "القبضة الحديدية" مع الجزائر حول الهجرة
الغد الجزائري- عاد وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، بلهجة وقبعة اليمين -الذي ظل وفيا لسياسته ومن أبرز مروجي سلعته- لاستفزازاته للجزائر، وأوضح أنه مستعد لتحمّل مسؤولية “القبضة الحديدية” حين تطرق لمسألة توقيف مؤثرين من أصل جزائري، وذلك في حال عدم الحصول على تصاريح قنصلية لترحيلهم لبلدهم الأصلي، وفي المشهد يبدو اليمين المتطرف الأقرب لبلوغ ما يصبو إليه في العلاقات الثنائية والمصالحة بين الجزائر وفرنسا، بعد أن بات ماكرون يتبنى جزءا من أفكاره، وهو الذي بدا في مطلع عهدته الرئاسية الحاجز الأكبر أمام أية محاولة لتجسيد القطيعة بالخطوات التي قام بها لتحقيق التقارب والمضي قدما مع الرئيس تبون في رسم مستقبل زاهر يتطلع إليه شعبا البلدين.
يصمت الرئيس، يتحدث الوزير، وحين لا يُقنع العضو الحكومي يتدخل رئيس حزب.. بهذا الترتيب تتوالى الاستفزازات الفرنسية للجزائر وتتجسد صور الضغينة لكل ما يحمل بصمة جزائرية في الضفة الأخرى، حيث لم تكف تصريحات مسؤول “الإليزي” في لقاء مع سفراء فرنسا المعتمدين، ليخرج وزير الداخلية في حكومة فرانسوا بايرو، “برونو روتايو”، مرة أخرى، ليتحدى ويتطاول في صورة تعكس تجاوز الساسة الفرنسيين الخطوط الحمر، وكأن باريس لم تعد ترى في خط الدبلوماسية -التي تولي لمعيار الحكمة أهمية في كل مرة تثار قضية من شأنها تلويث الأجواء- الذي انتهجته السلطات الجزائرية التزاما بالاحترام الذي يجمع الدولتين.
وفي مقابلة مع يومية “لوباريزيان” بمناسبة الذكرى العاشرة للهجوم الذي تعرضت له صحيفة “شارل إيبدو”، تطرق وزير الداخلية الفرنسي، لقضية المؤثرين الجزائريين الثلاثة الذين تم توقيفهم في الضفة الأخرى – عن تهمة التحريض على الإرهاب عبر “تيك توك”- حيث أقر الرجل بصعوبة ترحيل المعنيين لأسباب دبلوماسية، ليضيف “الأمر يتطلب الحصول على تصاريح قنصلية. ومن أجل هذا يجب علينا تحمل مسؤولية القبضة الحديدية.” وأضاف أن هؤلاء “يمتحنون صمود الجمهورية، لنتحمّل إذن القبضة الحديدية”، ولا غرابة في التصريحات المماثلة، بعد أن أكد روتايو في شهر أكتوبر الماضي، أنه سيحاور المغرب بخصوص التعاون على ترحيل “الحرقة” لكون الجار الغربي “صديق لفرنسا” -وفقه- أمام بخصوص الجزائر التي يراها “تتعنت” وترفض منح التصاريح القنصلية، اقترح تشديد اللهجة.
توالي الهجومات على الجزائر من طرف المسؤولين الفرنسيين، هذه الأيام، من وزير الخارجية جون نايل بارو، إلى الرئيس ماكرون ثم وزير الداخلية برونو روتايو، تؤكد أن اليمين المتطرف استمال الوسط المعتدل الذي لا يمانع أي تقارب قرنسي-جزائري، ويبدو أن الحاجز الأخير الذي مثله مسؤول الإليزي -والذي منع اليمين المتطرف الفرنسي من المضي في نواياه لتجسيد القطيعة مع الجزائر- قد تم كسره تقريبا، بعد تصريحات الإثنين الماضي.
“قضية صنصال” -وقبلها دعم احتلال الصحراء الغربية- أكدت في نهاية المطاف أن اليمين المتطرف العنصر الأكثر أهمية في المشهد السياسي الفرنسي: التيار المتطرف ضغط، وماكرون قاوم -في وقت ما- قبل أن يستسلم لنهجه في الأخير، ويعانق سمومه في كل موضع ضعف -على غرار فترة ما بعد الانتخابات الأوروبية- ويتبنى لسانه حاليا أفكاره. وتجسد ذلك مع الجزائر في مواقفه الأخيرة حول الهجرة، معيار التقسيط والافتقار للجدية والجرأة في معالجة ملف الذاكرة والانحياز للمغرب في قضية الصحراء الغربية…
خلال السنوات الأولى من وصوله لقصر الإليزي، تعهد ماكرون بفتح صفحة جديدة مع الجزائر بالتكفل بملف الذاكرة، رغم معارضة قطب من يسكنهم الحنين إلى “الجزائر فرنسية” الذي أعاب على الرجل “منح كل شيء” للجزائريين “دون مقابل”، قبل أن يتم دفع الرئيس الفرنسي للسقوط في أول فخ بشأن الجزائر شهر أكتوبر2021، عندما اتهم القادة الجزائريين بالعيش على “ريع الذاكرة”، ونفى وجود الجزائر كأمة قبل استعمارها من قبل فرنسا، متسببا في أول أزمة حادة بين البلدين في عهدتيه، لتلي الأزمة أزمات أخرى، إلا أن الأزمة الحالية، الأكثر حدة على الإطلاق، خصوصا أنها نتيجة ضغوط يمارسها التيار المتشدد نفسه على ماكرون.
لعدة سنوات، دعا اليمين المتطرف إلى “إعادة التوازن لسياسة فرنسا المغاربية”، التي يرونها أكثر ميلا للجزائر مقارنة بالمغرب، ليستسلم الرجل نهاية جويلية الماضي، مرة أخرى لأتباع مارين لوبان بالاعتراف بـ “السيادة المزعومة” للرباط على الصحراء الغربية. خطوة لم يجرؤ أي رئيس فرنسي قبله على القيام بها، كما أشارت إليه الدبلوماسية الجزائرية في رد فعلها.
السقطات توالت وضبط النفس الذي حاول الجانبان تسيير الخلافات به للمضي قدما بما يخدم تطلعات الشعبين لبناء مستقبل زاهر بعيدا عن الضغينة والعداء، يبدو جليا أنه الحل الهش في المعادلة، وفي كل حال يخشى المتابعون أن يبلغ اليمين المتطرف غايته بخصوص مصير العلاقات بين الجزائر وفرنسا، بعد أن ترجمت ممارسات مسؤول الإليزي الميل لمواقف هذا القطب.
تعليقات 0