فرنسا – إفريقيا… غريق يتعلق بقشة

الغد الجزائري- تحاول فرنسا الغارقة في مستنقع الساحل التعلق بقشة في استراتيجيتها التي تسعى جاهدة لإرسائها من أجل العودة يوما ما إلى هذه المنطقة التي سيطرت عليها لعقود طويلة من النفوذ والهيمنة واستغلال لثروات المستعمرات القديمة، التي لم تغادرها رغم الاستقلال الذي حصلت عليه هذه الدول.
تتمثل محاولات فرنسا للإبقاء على “بصيص أمل” للعودة إلى الساحل الإفريقي، الذي خرجت منه مرغمة لأسباب متراكمة، أهمها فشل سياستها المتبعة بهذه الدول، حيث كانت قائمة على الاستغلال، تضاف إليها المنافسة الشرسة من الطرف الروسي الذي يزاحمها في هذه المنطقة منذ سنوات، دون إغفال استيقاظ بعض الأطراف في هذه الدول التي تسرّ على ضرورة التخلص من هيمنة المستعمر القديم، الذي يواصل نهب الثروات الطبيعية ويحول دون تحقيق التنمية.
وحسب الخبراء والمتابعين للشأن في الساحل، فإنه وميلأمل”
قبل أسابيع فقط من تسلّم الرئيس إيمانويل ماكرون للتقرير الذي طلبه حول الأوضاع بالمنطقة (ينتظر في جويلية المقبل)، تبدو فرنسا مضطرة لإعادة ترتيب أوراقها بأفريقيا، إثر ضغوط دول الساحل. وفي فيفري الماضي، كلّف ماكرون الوزير السابق جان ماري بوكيل بوضع تصورات جديدة للوجود العسكري الفرنسي في دول أفريقية، حيث تعتزم باريس في ظل هذا التحول الجيوسياسي ضد الوجود الفرنسي، تقليص وجودها العسكري في غرب ووسط أفريقيا إلى نحو 600 جندي تماشيا مع خطط ماكرون. ونقلت “فرانس برس” عن مصدرين لم تكشف عن هويتهما، إن الجيش الفرنسي يعتزم إنشاء قيادة مقرها باريس مخصصة لأفريقيا هذا الصيف، وبدلا من المهام القتالية، سيقوم الجنود الفرنسيون أساسا بتوفير التدريب والقدرات للدول الأفريقية الشريكة، بناء على طلبها. ووفق مراقبين، فإن هذه الإجراءات تعد بمثابة إعادة ترتيب الأوراق الفرنسية في القارة السمراء، تجنبا لفض الارتباط الكامل معها، في حال استمرار الرياح المعاكسة الحالية.
وخلال السنوات القليلة الماضية، سحبت باريس جنودها من دول المنطقة، بينما يواجه تواجدها تهديدا في بلدان أخرى، إذ ألمح رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو، في هذا الصدد، الشهر الماضي، إلى إمكانية إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية في بلاده. وقال سونكو “بعد مرور أكثر من 60 عاماً على استقلالنا… يجب أن نتساءل عن الأسباب التي تجعل الجيش الفرنسي على سبيل المثال لا يزال يستفيد من عدة قواعد عسكرية في بلادنا، ومدى تأثير هذا الوجود على سيادتنا الوطنية واستقلالنا الاستراتيجي”.
تجدر الإشارة إلى أنه، في فيفري من العام الماضي، أعلن ماكرون عن تخفيض وجود القوات الفرنسية في أفريقيا، مع تزايد المشاعر المعادية لبلاده في بعض المستعمرات السابقة. ووفق خطة قيد المناقشة مع شركاء أفارقة، تخطط فرنسا لخفض كبير في عديد قواتها المنتشرة مسبقا في أفريقيا. وأفاد مصدران قريبان من الحكومة ومصدر عسكري، لوكالة “فرانس برس”، بأن فرنسا ستبقي نحو 100 جندي فقط في الغابون وعددا مماثلا في السنغال، مقارنة بـ350 جندي حاليا بالبلدين. كما تعتزم باريس إبقاء نحو 100 جندي في ساحل العاج مقابل 600 جندي حاليا، ونحو 300 جندي في تشاد، مقارنة بـ1000 جندي في الوقت الراهن.
للتذكير، سحبت باريس قواتها تدريجيا بطلب من الانقلابيين الذين وصلوا إلى السلطة في مالي عام 2021، وبوركينا فاسو في 2022، والنيجر في عام 2023. وأبرمت الدول الثلاث اتفاقيات أمنية مع روسيا التي تسعى إلى توسيع حضورها في القارة.
وفي فيفري المنصرم، أعلن مبعوث ماكرون الخاص إلى إفريقيا نهاية “إفريقيا الفرنسية”، وقال جان ماري بوكيل إن مهمة فرنسا تتمثل في تجديد العلاقات مع الدول الإفريقية وبناء صورة مغايرة. وأكد أن مهمته هي “تجديد العلاقات مع مراعاة الجانب الاقتصادي والثقافي والتعليمي والإنساني والاستثماري، والتعاون الدفاعي والأمني “. وأشار إلى أن “الهدف هو تقييم القدرات العسكرية المتاحة لصالح جميع الأطراف، مع اتباع نهج مصمم خصيصا من حيث الشكل والسيطرة والتدريب والشراكات مع المدارس العسكرية”. وقال بوكيل: “تتعلق رسالة مهمتي بشكل خاص في الحصول على رؤية واسعة حول جميع قضايا الشراكات وتجديد العلاقة مع هذه البلدان، والتي تتعلق بالاستثمارات الاقتصادية والمساعدات الإنسانية والتنمية، أما العلاقة الأمنية والدفاعية فليست سوى جانب واحد”. وبحسب تقارير إعلامية، عهد ماكرون إلى بوكيل بمهمة “تغيير وضع وشكل ومهمة القواعد الفرنسية في إفريقيا، ولكن على أساس مبادئ يجب تحديدها بالاتفاق مع الدول التي تتواجد بها القواعد”.
تعليقات 0