فرنسا.. العجرفة لبلوغ القطيعة
أصوات ترفض تعامل باريس مع الجزائر بخطاب اليمين المؤسس للدبلوماسية الهاوية

وجّه رئيس الوزراء الأسبق الفرنسي دومنيك دوفيلبان، صفعة أخرى لوزير الداخلية برونو روتايو، بالتحذير من خطاب يميني يصطنع الأزمات بمصطلحات تحمل دلالات لا تعكس سوى الأخطاء التي وقعت فيها باريس في الماضي، وحين يعاد ارتكابها مع دولة بحجم الجزائر، فهي رغبة ضمنية في التصعيد وهو ما من شأنه أن يعيد العلاقات الثنائية المبنية على الحوار والاحترام لنقطة الصفر، وقال المتحدث إن الحديث عن “الإهانة” يحمل في طياته وصفة إطالة الأزمات، ومثل هذه المصطلحات تتعامل معها الدبلوماسية بحذر كبير، وفي السياق ذاته انتقدت عضو الحزب الاشتراكي سيغولان روايال الخضوع لتصورات المتطرفين، معتبرة استقالة مستشار ماكرون في الشؤون الدبلوماسية ردا على الكبرياء الذي يظهره مسؤول الإليزي في تعاملاته مع الأفارقة.
وجّه رئيس الحكومة الفرنسية الأسبق دومينيك دوفيلبان انتقادات حادة لوزير الداخلية الفرنسي الحالي برونو روتايو بعد تصريحاته التي زعم فيها أن الجزائر “أهانت” فرنسا، بعد رفضها دخول مؤثر جزائري مُرحّل، ووصف الدبلوماسي السابق ذلك بـ “مزايدات غير محسوبة”، محذرًا من أن مثل هذه الخطابات قد تجرّ فرنسا إلى مواجهات دبلوماسية غير ضرورية، وتفاقم الوضع المتوتر بين البلدين، وأشار الرجل، في تصريحات لإذاعة “فرانس إنفو”، إلى أن الدبلوماسية الفرنسية تُخاطر بإعادة إنتاج أخطاء الماضي، مؤكدًا أن الشعور بـ “الإذلال” الذي تروج له بعض الأطراف هو وصفة تاريخية للأزمات والحروب. وأوضح أن إثارة قضايا خلافية، مثل اتفاقية الهجرة لعام 1968 بين فرنسا والجزائر، يجب أن يتم من خلال الحوار، لا عبر الخطابات التصعيدية التي تخدم مصالح ضيقة على حساب العلاقات التاريخية بين البلدين، وأضاف في السياق ذاته “بحكم تكويني الدبلوماسي، إذا كان هناك شعور يجب الحذر منه في الدبلوماسية هو الإذلال.. الإذلال من أي طرف ومن ناحية ماذا؟؟” مذكرا ببعض الأحداث التاريخية التي استغلتها فرنسا لإشعال فتيل الحروب، مضيفا “لنتذكر حادثة المروحة مع الداي حسين، منذ 200 عام، والتي تلتها الحرب. لن نخوض حربا أخرى مع الجزائر.”
تصريحات روتايو حول إنهاء العمل باتفاق 1968 أثارت جدلًا واسعًا في فرنسا، حيث انقسمت المواقف بين داعمين لهذه الخطوة ومطالبين بالتهدئة، فيما وصف دو فيليبان الدعوة إلى الخطوة بـ “غير معقولة”، مؤكدًا أن هذه الوثيقة تمثل إحدى الروابط التاريخية المتبقية بين البلدين. وأضاف: “إذا كان لا بد من مراجعة الاتفاقيات، فلنقم بذلك بروح الاحترام المتبادل، لا بمنطق العقاب”. مشددا على ضرورة إقحام مساِل الشراكة والتعاون في إطار “تصفية الحسابات”، وألحّ دوفيلبان على التذكير أن “ذلك ليس من طبيعة العلاقات بين فرنسا والجزائر. لقد دفعنا عبى التاريخ غاليا لنتعلم ان هناك سبيلا واحدا يتمثل في: الصداقة، الاحترام، وأتمنى بقوة أيضا المصالحة.”
وبالتجربة التي كسبها عبر مساره، يسعى دوفيلبان لتقويم الانحراف الذي جر به خطاب روتايو الرئيس ماكرون، محاولا الإبقاء على خط الدبلوماسية في التعامل مع الجزائر، وهو نفس التيار الذي حشدت فرنسا مختلف التيارات السياسية لمنعه من بلوغ الإليزي في الرئاسيات الأخيرة، ولم يغفل الرجل محاولات وزير الداخلية حشر أنفه في قضايا بالأساس من صلاحيات وزير الخارجية، بالتلميح لإجراءات يستوجب على باريس التحرك بها لتستجيب الجزائر لما بات يعتبر “استفزازات” عقيمة تعوّد اليمين المتطرف اللجوء آليها حين يتعلق الأمر بالعلاقات بين فرنسا والجزائر، وقال وزير الخارجية في عهدة الرئيس جاك شيراك “هناك سوء تفاهم منذ البداية. وزير الداخلية الذي يريد حلحلة مسائل لا تحل إلا بالدبلوماسية، بدل وزير الخارجية.”
وفي نفس السياق، تساءلت المترشحة السابقة لرئاسيات 2007، سيغولان روايال، بخصوص وزير الداخلية برونو روتايو عبر تغريدة على تويتر “هل هو دبلوماسي؟”، كما تطرقت للمحاولة الفاشلة لطرد مؤثر جزائر من الأراضي الفرنسية، لتضيف في الشأن ذاته “نتفهم استقالة المستشار الدبلوماسي للإليزي، وهو دبلوماسي محترف محترم وذو خبرة، ويدرك كيف تم المساس بالاحترام الذي تتمتع به فرنسا في إفريقيا بسبب مواقف متعجرفة من عصر ولّى اتجاهها.”
تعليقات 0