فرنسا.. عتاب التنصّل من المسؤولية

مسؤول الـ"كي دورسي" يقول إن بلاده تساورها "شكوك" في التزام الجزائر بإعلان 2022

الغد الجزائري-  عاد وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، مرة أخرى، للحديث عن الجزائر والفتور في العلاقات الثنائية، وكعادة فرنسا لا تعاتب نفسها -وإن أخطأت- وترمي اللوم على الجزائر، واعتبر المسؤول أن بلاده متمسكة بـ “إعلان الجزائر 2022” كخريطة طريق للتعاون، قبل أن يتحفظ مشيرا إلى أن بعض إجراءات الطرف الثاني من الاتفاق -حسبه- تدفع باريس “للشك” في نية السلطات الجزائرية في العمل بالوثيقة المذكورة، كما هوّن الدبلوماسي الفرنسي في تصريحات الروائي بوعلام صنصال، مذكرا أن فرنسا تدافع عن حرية التعبير والفكر.

تطرق المسؤول الأول على الـ “كي دورسي” في تصريحات بإذاعة “إر تي آل” للعلاقات الجزائرية -الفرنسية، ولعل ما يفهم من تصريحاته أن باريس تريد تعاون وفق تصورها الأحادي، رغم أن جان نويل بارو يرى أن قاعدة التنسيق مع الجزائر أطرها أكثر “إعلان الجزائر” الذي وقعه الرئيسان تبون وماكرون في أوت 2022، ولا تزال باريس متمسكة بمضامينها، إلا أنه تحفظ وقال “نلاحظ مواقف وقرارات من جانب السلطات الجزائرية أثارت لدينا شكوكا حيال نية الجزائريين التزام خريطة الطريق هذه. لأن الوفاء بخريطة الطريق يقتضي وجود اثنين”.

وإن كان الجليد الذي كبح سير العلاقات بين الضفتين لا يرجع لما بات يسمى “قضية صنصال” إلا أن الوزير الفرنسي أراد حصر الإشكال فيها، معتبرا أنه “مثل رئيس الجمهورية، أعرب عن القلق البالغ إزاء رفض طلب الإفراج الذي تقدم به بوعلام صنصال ومحاموه”، وأضاف في السياق ذاته “أنا قلق بشأن حالته الصحية وفرنسا متمسكة جدًا بحرية التعبير وحرية الرأي وتعتبر أن الأسباب التي قد دفعت السلطات الجزائرية إلى احتجازه باطلة”، مشيرا إلى أن بلاده “ترغب في الحفاظ على أفضل العلاقات مع الجزائر، إلا أن هذا ليس هو الحال الآن”.

ما يفهم -إن كان باريس تصر على القضية- أن السلطات الفرنسية التي ترافع من أجل حرية الفكر وحرية التعبير، وفاء لمبادئ تاريخية أرستها بعد الثورة الفرنسية، فذلك من شؤونها الداخلية ويصلح لما تشهده أراضيها ويعني مواطنيها، أمام وحدة التراب الجزائري وسيادتها مسائل لا تعالج وفق معادلة الإملاءات، بل لم تعد الحماية الاستعمارية تصلح في بلد استعاد كرامته بتضحيات لا يستهين بها أي كان، وإذا كان تمجيد الفكر والرأي من أسس باريس عصر الأنوار، فالبمقابل للجزائر قوانين وتشريعات تحدد الحقوق والواجبات، والكاتب بوعلام صنصال يدرك أن الفواصل والنقاط التي تنسج بها النصوص الروائية، هي نفسها التي تملي على المرء أداب الطريق، والوطنية بالفطرة ولا تكتسب، وبعيدا عن أي حكم مسبق، كان على وزير الخارجية الفرنسي احترام القوانين الجزائرية، وإجراءات التحقيق المتواصلة قبل التسرع في القول أن “الاتهامات الموجهة لصنصال لا أساس لها”.

و”إعلان الجزائر” لعام 2022 الذي ذكره بارو يقر أن الطرفان -الجزائر وفرنسا- يؤمنان أن “الوقت قد حان لتشجيع قراءة موضوعية وصادقة لجزء من تاريخهما المشترك، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع مراحله من أجل التمكن من استشراف المستقبل بكل هدوء في ظل الاحترام المتبادل.” وفي ظرف عامين تصرفت باريس في أمور أساءت فيها بالكثير للجزائر، ففي طرف يحق للدبلوماسي الفرنسي الشك يا ترى؟؟

إن كان الأمر يتعلق بالالتزام -كما زعم بارو- كان عليه مراجعة ما ورد في الوثيقة في الأول وقياس جزء مهم فيه يتعلق بقرار البلدين “الارتقاء بمشاوراتهما السياسية التقليدية عبر إنشاء “مجلس أعلى للتعاون” على مستوى رئيسي البلدين، من أجل تعميق وصياغة الاستجابات الملائمة والمتبادلة للقضايا الثنائية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، في روح من الثقة والاحترام المتبادلين..” بهرولة مسؤول الإليزي للاعتراف بالاحتلال المغربي للأراضي الصحراوية، واعتبر مخطط المملكة الحل الوحيد لإنصاف شعب يكافح ضد النصب والسطو.

صحيح أن فرنسا التي ترفض الالتفات لتاريخها الاستعماري، وتتنصل من مسؤولياتها التاريخية تسكنها عقدة تجعلها تعاتب بدل أن تؤنب ضميرها، والمنطق أن لوم الجزائر والتشكيك في التزاماتها للمضي قدما في التعاون مع فرنسا هروب إلى الأمام يريده الدبلوماسي الفرنسي ستارا يحجب به ذلك التماطل في معالجة ملف الذاكرة، موقف بلاده في قضية لا تزال تصنف أمميا في خانة “تصفية الاستعمار” والإصرار على جعل الخطابات المسيئة للجزائر “حرية فكر”.. وفي أعراف الدبلوماسية لا يحتاج بارو لدرس مفاده أن الأمم لا تمر مرور الكرام على تاريخها، لا ترغم على هضم توافقات لا تناسب مبادئها ولا تتحمل من يطعن في سيادتها.. وكلها تفاصيل في خريطة طريق تريدها الجزائر أن تأخذها باريس في تعاملاتها بعين الاعتبار وبالكثير من الجدية للمضي نحو المستقبل ليكون الاحترام المتبادل وليس أحاديا.

 

 

+++++++++