في ذكرى رحيل “الدّا لحسين”.. الخالد من جيل لا يتكرر
الغد الجزائري – تحل هذا الاثنين، الذكرى التاسعة لرحيل أحد قامات الثورة التحريرية المجيدة ووجه من الوجوه البارزة الدين اختاروا الالتحاق بصفوف الحركة الوطنية شابا يافعا، مانحا شبابه للجزائر مع جيل يظل مصدر ومرجع القيم الوطنية في الحلو والمر الذي تعبره أجيال الاستقلال.. جيل لا يكرره الزمن لقن الدرس للاستعمار وترك أمانة تدعى الجزائر لا يحمر وجه أبنائهم وأحفادهم إن ذكروها سوى فخرا، حين يلتفتون لإرث رجال من طينة “الدّا لحوسين” -كما يلقبه أبناء الشعب الذي أوصاه دائما على صون أمانة الشهداء-
أن تفتح عينيك على جبال جرجرة الشامخة وحضن الثوار في فترة استعمارية لا يملك فيها شعبك سلطة القرار والسيطرة على ملكه وترى النهب والسطو في كل يوم يمر، فذلك لا يمنح خيارات عديدة، ما كوّن في الشاب حسين أيت احمد وعيا في سن مبكرة، فالرجل كان مولعاً بالنضال المسلح كخيار وحيد لنيل الحرية من أغلال الاحتلال الفرنسي، ليجد في حزب الشعب الجزائري مبادئه وأفكاره: لا اندماج.. لا انفصال.. لكن تحرر.
هو الوطن الذي منح له سنين شبابه، وذاد عنه أمام الأعداء، وكرس سنينا أخرى لتكريس الحريات وانتصار القيم ونصرة الحق، وحين ترك ظل حيا في العقول والقلوب، وما الموكب الجنائزي الذي ميز مسقط رأسه بأعالي عين الحمام في تيزي وزو سوى دليل على مكانته.. وفي القلوب حسرة توديع زعيم وعزم على الوفاء للمبادئ، تماما كما كانت عنوان حياته “سي لحوسين مازلنا مناضلين”.. هكذا طمأنه كل من رافقه وترحم على روحه.
لم يحصر “الدّا لحوسين” نضاله وفكره داخل فضاء المنشأ ومنطلق الانتماء الثقافي بل تمدد ظله الوطني الطويل على كامل ربوع الوطن، ما جعله يتحول لأيقونة وقد أكد الجزائريون في جنازته.. جاؤوا لتوديعه من كل فج عميق، وهو الذي كسب الاحترام من الجميع، بما فيهم من عارضهم سياسيا وشهدوا له بذلك القلب الذي ينبض بحب الوطن والتفاني والإخلاص له.
عارض أيت احمد بشرف إلا أن معارضته اختصر معناها في رسالة وجهها للمجلس الوطني للأفافاس عام 2012 معلنا مغادرة الحزب والحقل السياسي ليقول ” لقد تعلمنا من ممارسات البشر، تحديد واختيار أولئك الذين يروقون لنا كرفاق وكإخوة وكأصدقاء وأولئك الذين لا يروقون لنا في أي من هذه العناوين لكننا ندعمهم لأنهم بالرغم من كل شيء هم مواطنون.”
في الفاتح جانفي 2016، رافق الراحل حشد كبير إلى مثواه الأخير حيث يخلد كآخر المحاربين من أجل الحرية والكرامة، بتلك البساطة التي عرف بها، بعد أن خاض معركة يفترض ألا تتوقف أبدا كما خاضها جيله بما ميزها من نخوة، بسالة وطول النفس حتى تعاد الأرض لأصحابها ويعاد الوطن لأبنائه وتستعيد البيوت عناوينها الأصلية.
ولن ينكر سوى جاحد التأثر الشعبي الكبير الذي طبع تلك الجنازة الشعبية، وكأن الشعب الجزائري شعر يومها باليتم فبكى ” الدّا لحسين” وكأنه يبكي أب لم يعرفه أبدا. لقد بكى الجزائريون في آيت أحمد الزعيم الذي طالما أحبه ولم يتمكنوا من رؤيته إلا نادرا.
كان بالإمكان لـ “سي لحسين” أن يدفن في أي ركن من الجزائر، وتكون الجنازة بالهيبة نفسها وبالورع ذاته، إلا أنه -وتلبية لإرادته- فضل أن يرقد في قرية “آث احمد” مسقط رأسه لدى أهله وفقا لطقوس أسلافه. وهكذا اكتشف العالم، “آث يحيى”، مهد طفولته ومنبع تلك الأخلاق التي صنعت رجولته وأكسبته احترام الرفاق والخصوم.
الرجل الذي لم يساوم الوطن الذي ناضل من أجل حريته حافظ على مكانته وتسلح بتلك المبادئ بعد الاستقلال، فهو القائل “الشرف أن تنسجم أقوالك مع أفعالك”، ليشارك في كل المعارك، وتجد فيه قضيتا فلسطين والصحراء الغربية المناصر والداعم في قناعة أن كل شعب يكافح لإعلاء علم بلاده يبلغ محطة الانتصار مهما كانت التضحيات، ويناضل من أجل تكريس الحريات والديمقراطية في الجزائر، وإن رحل الرجل فذلك الوداع الشعبي الذي حظي بها في جنازته وإرثه الذي يشهد عليه الجزائريون إلى غاية اليوم دليل على أن عظمة “الدا لحسين” ستتحدث عنه الأجيال، ووحدهم العظماء يخلدهم التاريخ.
تعليقات 0