لم تبق إلاّ ندرة من المثقفين تقاوم بصدر عار

الغد الجزائري- يعمل الكاتب سعيد خطيبي على جعل أعماله الأدبية مجالا خصبا لتدوين تاريخ المنهزمين الصامتين الذين طحنهم التّاريخ أحادي العين، على غرار ما تضمنته رواية «نهاية الصّحراء» التي ترشحت في القائمة الطّويلة لجائزة الشّيخ زايد للكتاب (فرع المؤلّف الشّاب)، فصاحب «أربعون عاماً في انتظار إيزابيل» و«حطب سراييفو»، الذي يجعل مدينة بوسعادة، التي ولد بها نهاية 1984 وترعرع فيها قبل أن ينتقل للدراسة في الجزائر العاصمة وفرنسا، مسرحاً للشّخصيات والأحداث في رواياته، مهموم دائما بتفكيك التاريخ وتحويله إلى مادة روائية، دون أن يهمل الترجمة الأدبية التي لا يزال يشتغل عليها.
في هذا الحوار المطول مع «الغد الجزائري» يخوض الروائي سعيد خطيبي، في تفاصيل هوسه بالتاريخ والأحداث التاريخية، ومحاولاته إعادة بناء بعض اللحظات التاريخية للأفراد بعيدا عن تاريخ الجماعة المدوّن من قبل المؤرخين، ليستعيد وقائع من يسمّيهم المهمشين أو الصامتين أو المهزومين، الذين اختاروا الهامش للاستمرار في العيش بعيدا عن دوائر الضوء دون أي محاولة لإسماع أصواتهم رغم معاناتهم.
تعتبر عشرية الثمانينات المرحلة الأكثر حرجا في تاريخ الجزائر، كيف تناولتَ هذه الفترة في روايتك الأخيرة «نهاية الصحراء» (هاشيت أنطوان/نوفل، 2022)؟ وكيف أسردت سِيَرْ الشخصيات بين من اقتسمت الكوابيس وأخرى اقتسمت الغنائم؟
عشرية الثّمانينات كانت عتبة نحو الانزلاقات الكبرى التي ستعرفها الجزائر في وقت لاحق. كلّ ما نعيشه اليوم هو نتاج مخاض وقع في تلك الفترة. في رواية «نهاية الصّحراء» استعنت بالمخيّلة في سرد تاريخ مُضادّ. لم أنظر إلى ذلك الواقع نظرة علوية، تراتبية، بل نظرت إليه من الأسفل، انطلاقاً من سؤال: كيف تأثر الأفراد البسطاء بما جرى؟ أولئك الذين سحقهم التّاريخ من دون أن يظفروا بحقّ الكلام، كيف تأثّروا بتلك المرحلة؟ كلّ شخصيات هذه الرّاوية تنتمي إلى قاع المجتمع، من أشخاص يرجون سلطة بسيطة إلى آخرين لا طموحات سياسية لهم، بل فقط أفراد يعيشون على هامش الهامش، وهم أول ضحايا التحوّلات التي تعاظمت مثل كرة ثلج. في الثّمانينات بدأت أولى الهزّات الاجتماعية عقب تراجع أسعار البترول، فوجدت الحكومة نفسها غير قادرة على تلبية احتياجات مواطنيها ووجد المواطن نفسه عارياً، غير قادر على الاتّكال على الحكومة، التي كانت تمثّل له صورة «الأب»، هي التي توفّر له السّكن والعمل وتتيح له مجانية التّعليم ومجانية الصّحة. منذ تلك اللحظة ظهرت أمثال شعبية تداولتها الألسنة كما لو أنّها قواعد عيش، مثل: «أعطيني واحد شاطر والله لا قرا»، بمعني كن شاطراً في البيع والشّراء ولا يهم أن (تقرأ) بمعني أن تدرس أو تتخرّج من الجامعة. في الثّمانينيات تغيّرت صورة المُتعلّم فصارت محلّ سخرية مقارنة بشخصية التّاجر الشّاطر. صار المال سيّداً والسّعي إلى المال يترافق في الغالب مع نمو العنف. وجد الإنسان الجزائري نفسه يركض صوب ما يُشبه قانون الغاب. معتمداً على صبره وقوة تحمّله وعلى حيلته. توسّعت الطّبقية وظهر ما يصطلح عليه (تراباندو) أي السّوق السوداء. سوق تُباع فيها وتُشتري كلّ الأغراض، تُباع فيها كرامة الإنسان أيضاً. بدءاً من تلك الحقبة فهم الجزائري أن العيش في بلده يتطلّب منه الاتّكال على ساعديه، لم تعد الحكومة حامية له، وراح يختلق أساليب حياة جديدة له. أوّل من يدفع الثّمن في هذا الجوّ المحتدم هو الفنّ. لذلك فإن «نهاية الصّحراء» تنطلق من مقتل مغنية، مقتل بقعة ضوء ورديف جمال، وفي طريق البحث عن قاتلها نستعيد تاريخ الجزائر المعاصر، في الرّبع القرن الأوّل الذي تلا الاستقلال، ضمن أحداث تدور في فندق صغير بمدينة جنوب البلاد. فندق يختصر الجزائر كلّها في تناقضاتها، في صراعاتها الاجتماعية والعقائدية. في ذلك المكان يلتقي المستفيدون من عشرية الثّمانينات، الذين راكموا ثروات والخاسرون الذين جرفت تلك المرحلة أحلامهم. ولا يصحّ أن نحصر تلك الحقبة الثّمانينية في أبعادها السّلبية فقط، فكلّ صراع يتولدّ عنه أدب جديد. مثلما خرجت السّريالية من رحم حرب عالمية أولى وتمخضّت الوجودية عن الحرب العالمية الثانية، فقد وقعت طفرة في الأدب الجزائري على إثر عشرية الثّمانينيات.
أنت تؤمن بأن «الحياد نقيض الأدب»، هل هذا سبب محاولاتك التخييلية فتح نقاشات حول ما تعتبره «التّاريخ الذي لم يكتمل والذي تشوبه الفراغات»؟
التّاريخ هو “التّابو” الجديد. ليس السّياسة أو الإيروتيكية أو الدّين كما يروّج البعض. لا سيما التّاريخ المعاصر. هو منطقة محرّمة يتعسّر الدّخول إليها من دون كدمات أو كسور أو خسارات. فهو أشبه بحقل ألغام. في التّاريخ المعاصر نحن نتحدّث عن وقائع يمكن أن نكون قد عايشناها، نحن نكتب – بشكل مبطن – عن ذواتنا. عن أفراحنا وتمزّقاتنا. هي كتابة أقرب إلى تخييل ذاتي. ومن يكتب عن ذاته فلا بدّ أن يتحلّى بقدر من الجرأة ومن الوضوح، أن يتجرّد من طقوس الإخفاء، لا أن يتلبّس لباس التّقية ويدّعي الطّهارة. من هنا يصير الحياد فعلاً مناقضا لمعنى الأدب. يصير الحياد تعتيما عن الواقع. كلّ حياد هو تزوير للتّاريخ وكلّ تزوير للتّاريخ هو مساس بالحرية وممارسة معلنة للرّقابة الذّاتية. لذلك فإنني أرى أن قبح الإنسان يزيد من جماله، وتوخي الصّدق لا يعني إساءة للماضي، بل إضاءة له. هذا على المستوى النّظري، أما على المستوى العملي فالأمر أكثر تعقيداً. كما أسلفت فإن التاريخ من “التّابوهات” بالتّالي لا يسهل الوصول إلى الأرشيف. أشتغل في رواياتي، منذ البداية، على استثمار المادّة التّاريخية أدبياً، والتي أشقى في الوصول إليها. أنطلق من وقائع حقيقية صوب تشييد عمل متخيّل. أتبنّى فكرة: ماذا لو جرى عكس ما ورد في مدوّنات المؤرّخين! لكن في الجزائر التّاريخ لا يزال يسير بقدم واحدة، كُتب من منظور واحد، وكلّ محاولات الخوض فيه لا بدّ أن تتفادى الوقوع في فخّ ترويج رؤية واحدة، رؤية المنتصر. من هنا تتأتى أهمية الأدب في تدوين تاريخ المنهزمين، أولئك الصّامتين الذين طحنهم التّاريخ أحادي العين.
معروف عنك نبشك في خبايا التاريخ واستفزاز الذّاكرة الشّعبية لتحرير صوت التابع المقهور ومنحِه الكلام، هل تحاول بهذه السردية إعادة تشكيل صور اللحظات التاريخية للأفراد؟
أنا مهتمّ بتاريخ الفرد لا بتاريخ الجماعة. أسمع – أحياناً – من يقول: «ثقافة جزائريّة»، والأصحّ: «ثقافات جزائرية». إننا نعيش في حيز جغرافي واسع يحتمل تعدّداً لا انغلاقاً، يحتمل وفرة لا قلّة. هذا المعطى يجعل من كلّ فرد مختلف عن الآخر. لقد جرى في الماضي تصوير البلد كلّه على أنّه كتلة واحدة متناغمة ولا شيء آخر يفصل بين جزائري وآخر. كما لو أنّهم كلّهم خرجوا من رحم واحدة. انقضت فترة كانت فيها الجزائر اشتراكية فسادت رواية تصوّر الجزائريين كلّهم على أنّهم اشتراكيون بالفطرة. كان الاختلاف أمراً غير مرغوب فيه. تلتها فترة تغلّب فيها الرّقيب على الكاتب، فسادت تصوّرات على أن الجزائري لا بدّ أن يكون قومياً متطرفاً في علاقته بأرضه، كما لو أن الجزائري في تناغم مع معزوفة واحدة. وهكذا توالت حقب تحصر الجزائري في خانة واحدة لا يُسمح له بالخروج منها، ووقع الكاتب في مصيدة التّرويج للسّائد – من حيث لا يعلم – متغافلا عن حقّه في الملاحظة والإبصار وإدراك الاختلاف. وهذا سبب جعل الرواية الجزائرية تراوح مكانها عقوداً، متخلّفة عن الرّكب وعن بقية المشهد الرّوائي في الدّائرة العربية. لقد خيّم شبح الرّقابة الذّاتية طويلاً، مما أنشأ تلك الفروقات – التي نعرفها – بين رواية جزائرية مكتوبة بالعربية تنحاز إلى صوت الغالب ورواية جزائرية مكتوبة بالفرنسية تنحاز إلى اشتراطات فنيّة. لذلك فأنا مثل غيري من أبناء جيلي نحاول أن نستفيد من عثرات الماضي فيما نكتبه اليوم. فأنا نفسي خرجت من بيئة متعدّدة. كغالبية من هم في مثل عمري وُلدت بين خليط لغوي (فرنسي، عربي)، عشت بين مسجد وكنيسة، بين مسلمين ومسيحيين، بين حكايات النّساء وصخب الرّجال، بين جيران محليين وآخرين وافدين، بين لهجات متعدّدة، هذه هي الجزائر في صورتها الأشمل، التي تحتمل أن ننظر إليها من زوايا مختلفة. هذا التعدّد أحاول حقنه في الرّواية، ألا ينحاز الكاتب إلى وجهة نظره، ألا يكون يسارياً ولا يمينياً، أن يتقبّل أن هناك من يختلف عنه وهناك من يتفوّق عليه، بدءاً من تلك اللحظة سنشعر بأن حياة الفرد أهمّ من حياة الجماعة، لأن الفرد هو النّواة بينما الجماعة ليست سوى صنيع مخيّلة تساير خطاب الغالبية.
كيف توظّف الأبعاد الاجتماعية والثقافية في أعمالك الإبداعية، وما الغاية من استقرائها؟
كل شخصية هي مزيج من مكوّنات اجتماعيّة وثقافيّة متداخلة فيما بينها. كلّ شخصية لها حياة تخصّها. مثلما لا يوجد شخص يُشبه الآخر في الحياة فلا توجد شخصية تشبه الأخرى في الأدب. احترام الفروق بين الشّخصيات شرط أساسي في الرّواية. واستقراء تلك الأبعاد يسهل علينا فهم الحالة العامّة التي يخوض فيها مجتمع بعينة. على الرّغم من أن الشّخصيات تعيش وتتطوّر ضمن فضاء واحد، ضمن بيئة واحدة وجغرافيا مشتركة، فلكلّ واحدة منها همومها وهواجسها وقضاياها ومعاركها وسلوكياتها. في المجتمع الواحد، على الرّغم من مشتركاته الدّينية والتّاريخية فإن النفسيات تختلف، فلا بدّ أنه ننتبه إلى خيار الاختلاف فيما بينها. لا يمكن أن نظنّ أن الشّخصيات كلّها تفكّر بالمنطق عينه أو تؤمن بالمسلمات نفسها، بل لكلّ واحدة منها عالمها الدّاخلي الذي تنمو ضمنه. لذلك فإن الصّفات الاجتماعية والثّقافية في الشّخصيات، على الرّغم من أنّها شخصيات محدود في المكان، فهي تتنوّع فيما بينها. واستقراء هذه الأبعاد يحيلنا أيضاً إلى فهم التّنوع الذي تحيا فيه الجزائر – كما سلف ذكره – حيث أن داخل المجتمع الواحد يمكن أن نصادف الألوان كلّها، لا لون واحد. إن حرية الكاتب من حريّة شخصيّاته، إذا امتلك حريّته وتجرّد من الرّقيب الدّاخلي الذي يسكن ذهنه، فسوف ينظر إلى المجتمع الذي يكتب عنه في تعدّده وإذا انصرف إلى الرّقيب الدّاخلي واستسلم لهواه فسيرى الشّخصيات كلّها بثوب واحد ومعتقد واحد. لذلك فإن توسيع النّظر إلى المجتمع في جزئياته لا النّظر إليه نظرة شموليّة هو عتبة نستشف منها ترومتر حرية الكاتب لحظة الكتابة من عدمها.
تحمل رواياتك الكثير من دلالات الصراع، الحرب، الحبّ والهوية. كيف تتجلّى رؤاك لكل هذه المتناقضات لتصبح كلا متكاملا؟
من مظاهر الأزمة في الجزائر هي محاولة تفريغ الهوية الجزائرية، فيصير النّاس نسخاً مطابقة لبعضهم البعض. المساس بالهوية ترتبت عنه أزمات سوف تتأتى فيما بعد. أظنّ أن التّاريخ الجزائري يمثلّ مادة خامّ لأي كاتب، فقد عرف البلد صدامات متلاحقة، منذ الاستقلال إلى اليوم، لم ينعم بالهناء إلا قليلاً، هو بلد في حركيّة، في صخب، وإن كانت في بعض الأحيان تراجيدية. وفي ظلّ هذه المآسي لا نغفل عن حياة النّاس العاديين، وأنا واحد منهم، أكتب عن هذه الفئة، في صمتها وصبرها، في قلقها ووسواسها وفي تحملّها للهزّات المتوالية. لم يحصل أن قضت الجزائر عشرية واحدة من دون أزمات أو صراعات، صامتة كانت أو على السّطح، مما يجعل من الإنسان متحرّكاً غير ثابت، في انتقالات من حالة إلى أخرى. رغم كلّ التصدّعات التي وقعت لم ينس الجزائري نصيبه من الحبّ، من الولع والشّغف ومن إصراره على المضي إلى الأمام.
تصنَّف رواية «حطب سراييفو» ضمن أدب الأزمة. برأيك، لماذا يستحوذ هذا النوع من الأدب على الساحة الأدبية الجزائرية؟
لست أوافق هذا الرّأي. إن ما كُتب عن العشرية السّوداء، أو ما صوّر من أفلام عنها، قليل جداً مقارنة بالزّلزال الذي حصل. ما يستحوذ على السّاحة الأدبية، إذا نظرنا إليه نظرة فاحصة، هو الكتابة الذّاتية، فقد سادت الأنانية على الأدب، وبات الكاتب ينظر إلى نفسه كما لو أنه محور الكون، غير قادر على الانفتاح على الآخر، على ما يقلق راحته. لو أن الذي جرى في جزائر التسعينيات جرى في مكان لآخر لطالعنا ضعف ما صدر في بلدنا. لا يجب أن نستهين بما وقع. إن تلك الأزمة لا تزال تسكن جلد النّاس. ما يزالون يعانون من اضطرابات نفسية ورثوها عن تلك السّنوات. إن استصغار حجم المأساة هو خاصيّة جزائرية في تناسي الماضي. نودّ دائماً الهروب إلى الأمام مع طي الصّفحات كما لو أن شيئاً لم يحصل. إن من يروّج هذا الخطاب على أننا أسرفنا في الكتابة عن الأزمة هم أشخاص لم يتخذوا موقفا إزاء الضّحايا في العشرية السّوداء، ابتلعوا ألسنتهم في اللحظة التي احتاج إليهم فيها مجتمعهم إلى صوتهم. هكذا من أجل التّعتيم عن صمتهم وعن سوء تقديرهم للأوضاع يروّجون لخطاب يفيد أننا بالغنا في الكتابة عن تلك العشرية. أو أنّهم أشخاص عاشوا في محميّات في تلك الأيّام بينما أنا ومثل الملايين كنّا على خطّ النّار. كنا أطفالا نستيقظ صباحاً على أخبار تفجيرات أو مجازر وكلّ ليلة نظنّ أنّها آخر ليالينا في الحياة. من لا موقف له من الضّحية فمن صالحه محو آثار الأزمة بأسرع ما يمكن. في لبنان وقعت حرب أهلية بزمن يسبق ما حصل في الجزائر ومع ذلك لا تزال آثارها في الأدب والسّينما إلى غاية اللحظة. إن السّنوات العشر الدّامية التي تقاسمناها في الجزائر تحتاج إلى ما لا يقل إلى نصف قرن كي نشفى من جراحها.
يعرف المجتمع الجزائري في الوقت الراهن ما يشبه الركود، ألا تعتقد أن الوضع يحتاج إلى صدمة تاريخية ثقافية لتجاوز الماضي والتفكير في المستقبل بـ«رؤية المتصالح مع ذاته»؟
ذلك ما نرجوه. لكن كيف نفكّر في المستقبل بينما نحن لم نفهم ماضينا؟ لم نفتّش في أسباب الهزائم كي لا تتكرّر. الصّدمة الأولى تتأتى من تقبّل ذلك الماضي بجميع خطاياه، أن ننظر إلى أنفسنا في مرآة متجردين من أقنعة الأنانية. وعدم الرّكض إلى الأمام بعينين مغمضتين كما لو أن شيئاً لم يحصل. في كلّ مرة يقع فيه حدث عظيم نحاول ردمه. نحن ندفن الماضي لا نقرأه. هذا الرّكود هو نتاج طبيعي إزاء سوء تقدير ما حصل وعدم تحمّل مسؤولياتنا، كما لو أننا منزّهين من الخطأ. لم نصف علاقتنا بالماضي، فحين نتقبّل ما نحن عليه ومن أين جئنا من بعدها سيمكن التّفكير في الصّدمة التّاريخية. أمّا من يقوم بها هو المثّقف. لكن المثقفين كادوا أن ينقسموا إلى فئتين، فئة استسلمت إلى صمتها من أجل كسب رضا العامّة وعدم إغضابها وفئة أخرى تبحث عن مكاسب آنية بغض النّظر عن أنها تسيء بذلك إلى نفسها. لم تبق إلاّ ندرة من المثّقفين تُقاوم بصدر عارٍ. إن الصّدمة لن تحصل ما لم يتحرّر المثقّف من حيّزه ولم يخرج إلى الشّارع فيستمع إلى أصوات النّاس ويتبنّى نقداً لا طاعة للسّائد.
تعليقات 0