“لوموند”.. دروس المعاملة لا تلقن للجزائر

ألقت اللوم على السلطات الجزائرية ودعت ماكرون للحزم دون إقحام المهاجرين

انضمت يومية “لوموند” لصف وسائل الإعلام التي تلوم الجزائر وتبرئ ذمة فرنسا فيما أسماه هذا المنبر “رياح سيئة، بل وغير صحية، تهبّ على العلاقات الفرنسية الجزائرية” والتي تطالب في وسط باريس بالبقاء ثابتة وعدم التراجع عن موقفين رئيسيين وتفادي العداء العقيم ذات خلفية انتخابية والمتعلق بالمهاجرين، مشيرة إلى أن تفاقم الأزمة يعود أساسا لرفض الجزائر أي تساهل أو تنازل في ملف الذاكرة -واتهمت السلطة أنها “تستخدم الملف لضمان بقائها”- كما حمّلتها مسؤولية تغير الموقف الفرنسي بخصوص قضية “الصحراء الغربية”، وفي سيناريو اللعب على الحبلين، طالبت المسؤولون الفرنسيون بعدم تسليم الجزائريين الذين اندمجوا في المجتمع الفرنسي للسلطات الجزائرية تفاديا لمنحها صفة الحامي.

اختارت اليومية عنوان بحجم الحملة الرسمية في الضفة الأخرى للتعليق على الوضع عبر افتتاحية “في مواجهة الجزائر.. الحفاظ على الحزم والهدوء”، معتبرة أن الروابط بين باريس والجزائر كانت دوما معقدة، تجمع بين الخلافات تارة والمصالحات تارة اخرى، وهي كما أضافت “مرآة لتاريخ عاطفي يمزج بين المأساة والتقارب” آلا أن الهزة الارتدادية الحالية هي الأعنف، في العشريتين الأخيرتين، حسبها، وبحكم الوضع المقلق “تلاشت مساعي ضبط النفس” تضيف اليومية الفرنسية.

وذكرت الجريدة بسير الأحداث، منذ جويلية، باعتراف ماكرون باحتلال المغرب للصحراء الغربية، وتأكيده للموقف ذاته في الرباط يوم 29 أكتوبر الماضي، ثم توقيف الكاتب بوعلام صنصال منتصف نوفمبر،  وتصريحات مسؤول الإليزي التي تلته، وصولا إلى ما بات يعرف بـ “قضية المؤثرين”، هذه الأخيرة التي تحركت لها فرنسا بتوقيف المعنيين عن تهمة التحريض للكراهية، قبل فشل ترحيل أحدهم، وما بدر من تصريحات بعدها، على غرار روتايو الذي زعم أن “الجزائر تهين فرنسا”، ثم وزير العدل دارمانان الذي هدد بسحب الجوازات الدبلوماسية لحامليها الجزائريين، والتي قالت “لوموند”  آن باريس “وزعتها بسخاء على العديد من الشخصيات وأفراد عائلاتهم”

وتساءلت اليومية “إلى أي مدى ستصل دوامة العداء المتبادل؟ قائلةً إنه “عند تذكر الآمال التي ولدتها محاولة التصالح، التي أطلقها الرئيس الفرنسي ماكرون في عام 2022، والتي باتت اليوم طيّ النسيان، فإننا نقيس مدى الضرر”، لتلقي الجريدة اللوم على “النظام الجزائري” -الإعلام الرسمي يصر ويلح في ذكر الجزائر على النظام لا الدولة، ما يعكس الذهنية الاستعمارية التي لم يتخلى عنها جزء من فرنسا التي يراودها الحنين لجزائر ما قبل الاستقلال-  الذي لم يتجاوب مع مبادرة مسؤول الإليزي بنفس الإرادة والرغبة، وفق تحليل “لوموند” بل ذهبت الأخيرة بعيدا بالقول إن السلطات الجزائرية بحاجة لهذا العامل ولا “تحافظ على بقائها إلا بتفعيل ملف الذاكرة، واستذكار الماضي المؤلم” في وقت ثمن المصدر ذاته كبح ماكرون الخطوات المتعلقة بالمصالحة مع الجزائر، “تفاديا لمحاكمة الصفح” تضيف “لوموند”.

ولا تتردد اليومية في التملق للملك ومملكته، مفسرة  التحول الدبلوماسي الفرنسي بخصوص الصحراء الغربية  بـ “إحباط باريس من الجزائر المتصلبة، في وقت تستمر فيه الرباط في تسجيل النقاط على الساحة الدولية”.

ولعل “لوموند” يعلل ويبرر الاحتلال وانتهاك حقوق الإنسان، ما يؤكد أنه بعد 80 عاما من الممارسة الإعلامية -اليومية احتفلت بذكرى تأسيسها الثمانين في 18 ديسمبر الماضي- في بلد “الحرية والعدالة والمساواة”، لم يتعلم أكبر منبر صحفي بفرنسا أن سطو خيرات الشعوب وكل أشكال الطغيان لا يمكن تبريره، واستجداء الأمم لمنح شرعية للاستيطان والنهب تشويه للتاريخ ولا يمكن عده من المكاسب الدولية، والدولة العضوة في مجلس الأمن -التي ترافع عن مواقفها المخجلة “لوموند”- أدرى بذلك.

الصحيفة الفرنسية اعتبرت أن “الطريق للخروج من الأزمة “يكمن في اتّباع مسار متعرّج يجب المضي فيه بدقة”، من الضروري أن تتجنب فرنسا عدم المسؤولية المتمثلة في المواقف العدوانية التي تكون دوافعها الخفية انتخابية واضحة.”تقول “لوموند”.

وتابعت “لوموند” القول إن الحملة القمعية التي تقودها بعض وسائل الإعلام، والتي يشجعها قادة اليمين واليمين المتطرف في فرنسا، لا تؤثر على النظام في الجزائر بقدر ما تؤثر على الجزائريين في فرنسا أنفسهم، الذين يندمج معظمهم في المجتمع بشكل مثالي ويحترمون قوانينه. والحديث عن خيانتهم المحتملة للجمهورية أمر خطير. ومن خلال إضعافهم وإحباطهم، لن يؤدي ذلك إلا إلى إلقائهم في أحضان النظام الجزائري الذي سيسعد بظهوره ضامن حماية لهم.”