مؤرخون فرنسيون يعيبون تراجع ماكرون حول الذاكرة رضوخا لليمين

الغد الجزائري- أعاب المؤرخان الفرنسيان، “سيبستيان لودو” و”بول ماكس كوران” على الرئيس الفرنسي تراجعه في طريقة الالتزام بمعالجة مسألة الذاكرة، وعدم مواصلة نسق الرؤية للملف، كما كان الحال في عهدته الرئاسية الأولى، كما انتقد عدم الاعتماد على المختصين وتوفير جميع الإمكانيات للذهاب بعيدا، حيث يرى الثنائي أن الملف بدأ تسييسه من الطرف الفرنسي، وهو ما يضع فرنسا في مأزق، بين ضرورة التعامل مع المسألة بجدية بالإقرار بالحقيقة التاريخية والإنصاف أو الاكتفاء بما أسماه المعنيان “الرمزيات” وهو لا يفي الذاكرة حقها.

قدم “سيبستيان لودو” و”بول ماكس كوران”، اللذان أصدرا في 29 ماي الماضي، كتاب “جزائر ماكرون: مأزق سياسة الذاكرة” العديد من التوضيحات عن المسار الذي عرفته طريقة معالجة مسؤول “الإليزي” لملف الذاكرة منذ حملته الانتخابية لعام 2017، واعترافه في الجزائر بأن “الاستعمار جريمة ضد الإنسانية”، وقال المعنيان في حوار لمجلة “ماريان”، إن ماكرون بدا وكأنه رجل القطيعة في المسألة، وكشف عن نيته في تناولها بعيدا عن تأثير تياري “اليمين-اليسار” في فرنسا إلا أن الرجل تراجع قليلا ولم يواصل بنفس الوتيرة التي تسلح بها حين تولة زمام الحكم بفرنسا.

تحدث المؤرخان عن ثلاث مراحل في مسألة معالجة الذاكرة منذ تولي ماكرون الحكم، حيث عمل على الملف من 2017 حتى عام 2019، بمساعدة مستشاره في الملف، سيلفان فور، ومتخصصين أمثال بنيامين ستورا، سيلفي ثينولت ورافاييل برانش، وكانت الإرادة الحقيقية في إثبات الحقائق والوقائع، ولعل من ثمار هذه المرحلة والتعاون الاعتراف في عام 2018 بمسؤولية الدولة الفرنسية باغتيال عالم الرياضيات وصديق الثورة الجزائرية موريس أودان والفتح الشاق للأرشيف.

مع مغادرة سيلفان فور الإليزي، يوضح المؤرخان، عمل ماكرون على طريقة أخرى في التعامل مع ملف الذاكرة، والمبنية على تحقيق التوازن بين الضفتين،  من ناحية، العمل على  تنفيذ بعض الاقتراحات الواردة في تقرير ستورا ومن ناحية أخرى، تأثير المستشار الجديد للرئيس الفرنسي في ملف الذاكرة، برونو روجر بيتي، الذي يسعى التوازن وتسييس القضايا، ليضفا  بالقول “هوس تحقيق التوازن يكون على حساب الحقيقة والافتقار إلى التماسك السياسي” ليقدما مثالا عن خطاب استمالة الحركة في سبتمبر 2021، الذي قالوا إنه كلام يفتقر للمنطق لأن المؤرخين يعتبرون أن “سياسة الاستعمار هي التي أنتجت الحركة”. والحقيقة التاريخية، على غرار اغتيال موريس أودان تبنى على وقائع، امام ذكر الحركة فهو كلام مبني على العاطفة، والمسؤول السياسي عليه استخدام ألفاظ المؤرخين.

واعتبر المعنيان أن خيار تحقيق التوازن، والتعامل مع حقائق تاريخية دون تجريح طرف في المجتمع -على غرار الحركة- يبعد المسار عن الهدف الصحيح ألا وهو الحقيقة التاريخية وتحقيق العدالة، وحسبهما “لم يستخدم إيمانويل ماكرون أي وسيلة “لمواجهة الماضي بحقيقته المرة”، وقدما مثالا على ذلك عدم تمويل البحوث، عدم توظيف أكاديميين، وأضاف سيبستيان لودو ” لم يمكن أن يذكر تاريخ معين دون أن نعرفه ولا نمنح لأنفسنا الوسائل لمعرفته.”

بخصوص التقرير الذي كلف بتدوينه المؤرخ بنجامين ستورا، أعاب المؤرخان عدم توفير كل الوسائل للمعني لأداء مهمته، حيث صرحا لمجلة “ماريان” بخصوصه ” أول شيء يجب ملاحظته هو أن بنيامين ستورا يعمل بمفرده، دون مساعدة، دون مكتب، دون ميزانية ودون راتب. من المشروع الاعتقاد بأن البحث عن 132 عاما من الاستعمار الفرنسي في الجزائر يستحق المزيد من الوسائل والطموح.” كما اعتبر أن ما تضمنه رواية تاريخية وقف تأطير سردي وضعه “ألإليزي”.

وتحدث المؤرخان للمصدر الإعلامي ذاته، عن كيفية تحول مسألة المصالحة بين فرنسا والجزائر لموضوع سياسي، مع اقتراب الحملة الانتخابية لرئاسيات 2022، حيث بادر ماكرون بخطوات اتجاه الحركة، تعويض ضحايا القنبال التي تم تفجيرها بشارع إزلي -العربي بن مهيدي حاليا، ما يعني توجيه خطاباته لاستمالة فئات تعوّد اليمين على الدفاع عن انشغالاتها، إلى جانب التصريحات المشككة في الأمة الجزائرية.