ماكرون.. بين تجاهل حقوق الصحراويين ومساعي المصالحة مع الجزائر

الغد الجزائري- أعرب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن إصراره على المواصلة في العمل على ملف “الذاكرة، الحقيقة والمصالحة” والمتعلق بالماضي الاستعماري لفرنسا في الجزائر، رغم الأزمة بين البلدين منذ قراره مباركة مخطط “الحكم الذاتي” المزعوم لنظام المخزن بخصوص الصحراء الغربية وقرار السلطات الجزائرية باستدعاء سفيرها في باريس، وإذا كان حال لسان مسؤول الإليزي أن مواقفه حول حق الصحراويين في تحقيق المصير وخطواته المرتبطة بملف الذاكرة لا تتشابه، أو بالأحرى، من الأجدر التمييز بين المسألتين، إلا أن ما يدركه أن كل قضية البدء فيها كان استعمار، ومطالبة الشعب الجزائري فرنسا بالاعتراف بجرائمها، وتسليمها أغراض احتفظت بها -من أرشيف وأغراض شخصيات ثورية..- لا يمكن أن تختلف عن مطالب الشعب الصحراوي، وإن لم يقف ماكرون في صف المكافح من أجل حريته واختار دعم المحتل، سيظل يرى ممارسات جنود بلاده في الجزائر خلال الثورة جزء من ماضي تجاوزه الزمن، ما يفسر رفضه -على غرار سابقيه- الصفح والاعتذار.
نقل موقع الإليزي، في بيان، أن الرئيس ماكرون استقل المؤرخ بنجامين ستورا وكل المؤرخين للجنة الذاكرة -من الجانب الفرنسي- الخميس الماضي 19 سبتمبر، في جلسة عمل، أين أكد فيها إصراره “على مواصلة عمل الذاكرة والحقيقة والمصالحة الذي بدأ منذ 2017” والذي تم تمتينه في إطار إعلان الجزائر الذي وقعه مع الرئيس تبون في 27 أوت 2022، وفق ما أوضحه المصدر ذاته ، الذي أوضح أن ماكرون ثمّن عمل المؤرخين والعمل الجيد الذي قاموا به داعيا إلى الاستمرار في النهج ذاته “من أجل تجسيد المقترحات الملموسة التي صاغتها لجنة المؤرخين الفرنسية -الجزائرية”، آملا أن تكون تسمح المقترحات التي سيتم الاتفاق عليها لفرنسا “بإلقاء نظرة دقيقة وواضحة على الماضي وبناء مصالحة على المدى الطويل، خصوصا في مجالي التعليم والحركة للشباب الجزائري والفرنسي.”
وإذا كانت الخطوة إشارة من ماكرون أو اعتقاد منه أن الأزمة الأخيرة التي أثارتها مواقفه التي أعاد بها المياه إلى مجاريها مع نظام “المخزن” على حساب حقوق الصحراويين، مجرد سحابة صيف عابرة، لا تزال مواقف الجزائر ثابتة بخصوص ضرورة تصفية قضايا الاستعمار وعدم الانسياق وراء التخمينات المغربية وهوس القصر الملكي هناك، وفي انتظار خطوات السلطات الجزائرية مستقبلا، سبقت تصريحاته حول الذاكرة واستعداده لمواصلة العمل من أجل المصالحة التي يتطلع إليها الجانبان الجزائري والفرنسي، خطوات أخرى للتدارك ومحاولات تلطيف الأجواء، بداية ببرقية التهنئة التي بعثها لنظيره عبد المجيد تبون بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا في 7 سبتمبر الجاري، لعهدة ثانية، أين أكد له تمسكه بـ “العلاقات الاستثنائية” التي تجمع البلدين، إرادته في مواصلة العمل الجماعي الطموح، والذي تم التعبير عنه في اتفاق الجزائر شهر أوت 2022، قبل أن يكلف مستشارته في شؤون إفريقيا والشرق الأوسط “آن كلير لوجوندر” والتي حظيت استقبال الرئيس تبون.
وبين رغبة المسؤول الفرنسي في مواصلة العمل لتجسيد المصالحة وتسوية كل المسائل المرتبطة بالماضي الاستعماري لبلاده في الجزائر، ظهرت مستجدات أخرى تناقض ما أعرب عن القيام به مستقبلا، وذلك بعد تعيين وزير الداخلية برونو روتايو، المعروف بمعارضته لكل المساعي التي بادر بها رئيس فرنسا بخصوص الذاكرة، كيف لا والرجل قاد حملة الشخصيات الفرنسية والنواب الذين طالبوا بإلغاء اتفاقية 1968 مع الجزائر.
وفي كل هذا، لن يمكن التسليم بعودة الأمور إلى نصابها وإذابة الجليد بين الجزائر وفرنسا قبل معرفة الموقف الجزائري الرسمي، لكن المؤكد أن السلطات الجزائرية لا تفرط في مبادئ نصرة قضايا التحرر ولا تتنازل عن أي دزء في ملف الذاكرة، والتوفيق بينهما مهمة الفرنسيين بدرجة أولى في ظل الأزمة الحالية.
تعليقات 0