ماكرون.. لا درس في الشرف

تحدث عن الجزائر بوجه المرمّم لواجهة سياسية متصدعة لاستمالة اليمين المتطرف

الغد الجزائري- أطلّ مسؤول الإليزي بأول رد فعل حول ما أقام الدنيا وأقعدها في الضفة الأخرى والمتعلق بتوقيف الروائي بوعلام صنصال، معتبرا أن الإجراء “لا يشرف الجزائر” وتبدو لهجة إيمانويل ماكرون -الخارج من زوبعة داخلية لا تزال ارتداداتها تهدد الاستقرار السياسي هناك- نوعا من المسكنات لتلميع الواجهة، فوجد في الجزائر -وفي شق ثان إفريقيا- موضوعا تطاول لصرف النظر عن الأهم لشعبه، وفي تدخل سافر -يدرك عقمه سواء اعتبره أمرا أو نهيا- حين حث السلطات الجزائرية على إطلاق سراحه.

انتظر ماكرون العام الجديد ليبرز بوضوح موقفه ويعزز دعمه لأفكار اليمين المتطرف كلما تعلق الأمر بالجزائر، التي قال “إننا نحبها ونتقاسم معها تاريخا كبيرا” لكنه تحفظ على القضية التي صنعت منها فرنسا الحدث الذي تنام وتستيقظ عليها، وكأن هذه الجزائر الحرة السيدة في قرارها بحاجة لوصي ومهذب ومؤدب لتطبيق قوانينها على ما يحاول التطاول عليها والتهكم على شرفائها والتلاعب بوحدة ترابها.

وفي خطاب ألقاه أمس الاثنين، في المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين بالخارج، علق الرجل على توقيف الكاتب بوعلام صنصال والذي وصفه بـ “التعسفي”، ليضيف في الشأن ذاته “الجزائر نتقاسم معها تاريخا كبيرا ولكنها منعت شخصا مريضا (بوعلام صنصال) من أن يحصل على العلاج.. وهذا لا يشرف الجزائر”، قبل أن يطالب بإطلاق سراح من كرّمه بمنحه الجنسية الفرنسية منذ أشهر، وأشار ماكرون إلى أن “الحرية هي الديمقراطية وسنواصل العمل للدفاع عن الحرية باحترام في كل مكان سواء بشكل علني أو خافت”.

في لغة موليير مثلٌ يقول “الغباء لا يقتل” وفي المقام، ومع غياب السفير الجزائري في باريس -بحكم أن السلطات الجزائرية استدعته بعد الخلافات الأخيرة- كان على ماكرون ترك القضية لمناسبة غير تلك التي استقبل فيها السفراء الأجانب المعتمدين بباريس، فالعلاقات بين الجزائر وفرنسا لا تختزلها “قضية صنصال” إلا أن الإليزي تعوّد الاستثمار في السطحيات والعموميات وترك التفاصيل المهمة وبيت القصيد جانبا، لا لشيء بل لأن فيها ما يسبب الإحراج ويرغم على مواجهة ما لا ترغب باريس في رؤيته نصب أعينها.

أن يعتبر توقيف كاتب شكّك في وحدة تراب ذلك الوطن الذي كان له الفضل في تعليمه، وتقلد مناصب في هيئاته الرسمية إجراء “لا يشرف الجزائر”، فذلك اعتراف ضمني من ماكرون أن بلاده بات يطيق ويتحمل على ترابه أصوات لا تطن سوى العداء والضغينة للجزائر، وبدل التنديد بالتصرف الذي يمس بسيادة دولة، يتم تمرير الرسائل المسمومة والملغّمة باسم حرية الفكر والتعبير” التي يراها الرئيس الفرنسي معايير الديمقراطية الحقيقية.

لن يُرهق آو يجهد الجزائري نفسه -رغم لفتة ماكرون- للبحث عما يشرّفه ويرفع من قيمته حين يتعلق الأمر بأشخاص يمنحون لعدو الأمس -ومعه كل من يتربص نجاحات الجزائر ويترقب شرخا في صف أبناء الوطن الواحد- وسيترك قوانين الجمهورية تفصل في القضية التي لا تستحق أن يقدم بطلها تفسيرات بخصوصها، وفق نظرة مسؤول الإليزي، الذي يتحدث في فرنسا التي تدرك جيدا ما تشكله من خطورة الخطابات الانفصالية، وهي التي تملك تجربة إقليم كورسيكا وردع دعاة الانقسام فيه.

ماكرون يختزل العلاقات الجزائرية-الفرنسية في قضية “صنصال” التي كان عليه تجنبها، فلا تملك الجزائر ما تبرر به تمسكها بتطبيق القانون على كل من يحاول -عبثا- أن يردد أناشيد ترضي “المخزن” وكل من لا يزال يسكنه الحنين لحقبة “الجزائر فرنسية”.. هذه الجزائر التي حان الوقت لباريس – بكل من ماكرون وحكومته ولوبان وزمور وكل من عانق أفكارهما- أن تنهي التعامل معها بسذاجة، فلا يليق دلع الطفولة وتفاهة المراهقة في سن البلوغ والرشد، وحان لفرنسا أن تخاطب بأسلوب جدي، بحجم اللغة التي نبعت من ثورتها التنويرية ولا شرف لها إلا إن دافعت عن الحرية في الموضع الصحيح.