مجانية الأدوات المدرسية.. “أميار” يتذرّعون بمحدودية الميزانية وآخرون يستغلون الفرصة لاستعادة ثقة المواطن

الغد الجزائري– اعتبر فاعلون وسياسيون إطلاق مبادرات للتكفل بمستلزمات الدخول المدرسي لتلاميذ الطور الابتدائي فرصة لإعادة الثقة بين المواطن والمنتخب المحلي، بينما يبقى “فقر” بعض البلديات عائقا أمام تعميم مثل هذه المبادرات.
مع بداية العد التنازل لانطلاق الموسم الدراسي الجديد الذيي وصف بـ”الاستثنائي” هذه المرة ليس بسبب أزمة “كورونا” التي ألقت بضلالها على المدارس لموسمين دراسيين متتاليين، لكن الغلاء الرهيب للأدوات المدرسية أضحى الشغل الشاغل لأولياء التلاميذ هذه الأيام، ليكون تدخل بعض البلديات خطوة تعد الأولى من نوعها معلنة عن تكفلها بشراء المستلزمات لفائدة تلاميذ الطور الابتدائي في إطار مساعدة العائلات والوقوف إلى جانب مواطنيها خاصة في ظل انهيار القدرة الشرائية.
وغصت مواقع التواصل الاجتماعي، بإعلان رئيسة بلدية واسف بولاية تيزي وزو، توفير الأدوات المدرسية “مجانا” لفائدة تلاميذ الطور الابتدائي ببلديتها، حيث لقيت هذه المبادرة التي تعد الأولى من نوعها في الجزائر استحسانا من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي، موجهين نداءات إلى رؤساء البلديات للاقتداء بمثل هذه المبادرة، لتتوالى بعدها إعلانات التكفل بجميع
قائمة المستلزمات المدرسية من طرف رؤساء المجالس الشعبية البلدية لجميع تلاميذ الطور الابتدائي، في إطار التضامن مع العائلات ومساعدتها في مواجهة أعباء الدخول المدرسي خاصة في ظل الارتفاع الصاروخي للأسعار، إذ تشير التقديرات بأن تكاليف تجهيز تلميذ السنة أولى ابتدائي للموسم الدراسي الجديد، تتعدى سقف الـ9 آلاف دينار جزائري من كتب ومستلزمات مدرسية ومحفظة وهذا دون احتساب تكاليف شراء ملابس العودة إلى مقاعد الدراسة.
ومن ضمن البلديات التي أعلنت تجهيز جميع تلاميذ الطور الابتدائي بكافة المستلزمات المدرسية، بلدية جلال بولاية خنشلة التي أعلنت تكفلها التام أي بنسبة 100 بالمائة بجميع الأدوات المدرسية بالنسبة للطور الابتدائي من محافظ وأدوات مدرسية وسيتم تسليمها للتلاميذ في الأسبوع الأول من الدخول المدرسي. كما هو الشأن أيضا بالنسبة لبلدية المنعية، حيث كشف رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية المنيعة شويرف مفتاح في تصريح لـ”الغد الجزائري”، أن عملية تكفل مصالحه باقتناء الحقيبة المدرسية بما فيها الأدوات المدرسية لموسم 2023/2022 لفائدة تلاميذ الطور الابتدائي والبالغ عددهم حوالي 7356 تلميذ، على أنها عملية مركبة التمويل، موضحا أن العملية شملت جميع تلاميذ المدارس الابتدائية على مستوى إقليم مدينة المنيعة.
ولفت محدثنا، إلى أن الغاية من المبادرة التي أطلقها المجلس الشعبي البلدي تهدف لتخفيف أعباء الدخول الاجتماعي لساكنة المدينة.
حالات تمنع “الأميار” للقيام بمثل هذه المبادرات
ومن جهته، استحسن النائب البرلماني عن حركة البناء الوطني عبد القادر جيشرقي، مبادرة تكفل بعض البلديات، بالأدوات المدرسية لفائدة تلاميذ الطور الأول “الابتدائي” خلال الدخول المدرسي الجديد، المقرر في الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر الجاري، وذلك بهدف تخفيف الأعباء على العائلات الفقيرة والمعوزة خاصة في ظل غلاء أسعار المستلزمات المدرسية هذه السنة، مما جعل حسبه، العديد من الأولياء عاجزين عن اقتناء الأدوات المدرسية لأبنائهم. ويرى النائب البرلماني عبد القادر جيشرقي في تصريح لـ”الغد الجزائري”، أنه ليس بإمكان كل البلديات القيام بمثل هذه المبادرة، مرجعا ذلك إلى العديد من العوائق التي تقف كحاجز في طريقها لإنجاح المشروع على أرض الواقع، لاسيما ضعف ميزانية بعض البلديات وقلة الموارد المالية، بالإضافة إلى العدد الكبير للمتمدرسين بإقليم البلديات، مشيرا إلى الصيغة القانونية لتخصيص مبالغ مالية لتنفيذ العملية خاصة أن البلديات خاضعة للمراقب المالي.
فرصة لإعادة الثقة بين المواطن والمنتخب المحلي
وفي السياق يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي، الأستاذ الجيلالي كرايس في تصريح لـ”الغد الجزائري”، أن هذه المبادرة تدخل في إطار العمل التضامني الذي يمكن للمجالس الشعبية القيام به، خاصة بالنسبة للبلديات التي تمتلك مداخيل، مؤكدا بأنه من واجبها تخصيص جزء من مداخيلها في الإعانات الاجتماعية.
وحسب محدثنا، فإن مبادرة بعض البلديات التي أعلنت تكفلها بجميع مستلزمات الدخول المدرسي المقبل لفائدة تلاميذ الطور الابتدائي، هي “مبادرة تكافلية” من طرف البلديات التي يمكنها فعل الكثير من خلال ممارسة صلاحياتها وفي ظل المبادرات المحلية، مؤكدا بأن مثل هذه خطوات ستعيد الثقة بين المواطن والمنتخب المحلي وسيعطي دفعة للمجالس المحلية للعمل وتجاوز الخلافات التي باتت تعطل العديد من المجالس المنتخبة.
وأوضح الباحث في علم الاجتماع السياسي الجيلالي كرايس، أن البلدية كمؤسسة حكومية هي الأقرب إلى المواطن، وهي أكثر مؤسسات الدولة معرفة بواقع المواطن، فمثل هذه المبادرات، حسبه، سيكون لها أثر كبير في تعزيز المشاركة الانتخابية، وستعمل على نقل نوع من الشراكة الحقيقية، كما اعتبرها أيضا دعوة إلى المستثمرين وأصحاب المؤسسات إلى المبادرة ودعم المواطن محليا دون الاعتماد الكلي على المشاريع الحكومية. وقال “إن مسألة فقر بعض البلديات ومحدودية مداخيلها تبقى عائقا أمام تعميم مثل هذه المبادرات”.
05 آليات لتحسين مداخيل البلديات
وفيما يتعلق بالبلديات الفقيرة غير القادرة على تقديم مثل هذه الإعانات، التي بادرت بها بعض البلديات على غرار واسف بولاية تيزي وزو وبلدية المنيعة وبلدية جلال بولاية خنشلة، حيث أعلنت عن تضامنها مع مواطنيها، عشية انطلاق الموسم الدراسي، بالتكفل بجميع المستلزمات المدرسية لفائدة تلاميذ الابتدائيات، قدم أستاذ الاقتصاد وإدارة الأعمال بجامعة تيسمسيلت بوساحة محمد لخضر الحسني، مجموعة من الآليات التي تمكن هذه البلديات الفقيرة للحاق بمستويات التنمية وخلق الثروة والإقلاع الاقتصادي على المستوى المحلي، مؤكدا على ضرورة تدعيم قانون البلدية – من الناحية القانونية- بترسانة من القوانين والآليات التي تمنح المجلس الشعبي البلدي ورئيسه صلاحيات أوسع تتماشى والتحديات التي يواجهها المواطنين، وتوفر مساحه للإبداع في تنشيط الاستثمار والمقاولاتية لدى الشباب بصفة خاصة والمجتمع بصفة عامة.
وشدد المتحدث في تصريح لـ”الغد الجزائري”، على ضرورة سن قوانين تفرض على المنتخبين، توفرهم على بعض الشروط التي تتماشى والتطلعات المواطنين وخصوصية المنطقة، قائلا “فإذا كان يغلب على نشاط المنطقة أو البلدية الزراعة حتما سنحتاج إلى مجلس شعبي بلدي له كفاءات في هذا المجال وكذلك في البلديات ذات الطابع الصناعي إلى آخره”. كما شدد، على ضرورة إلزام المترشحين للانتخابات بتقديم مشاريع وبرامج ذات الطابع تنموي اقتصادي واجتماعي، على أن يتم عرضها على الخبراء للنظر في مدى نجاعتها، وهذا عرضها على الجمهور في الحملات الانتخابية، موضحا أنه في حال نجاح أحد المترشحين، فسيتم مراقبة هذه البرنامج على أرض الواقع من طرف الشعب وخبراء متخصصين.
بالمقابل، دعا الأستاذ بوساحة محمد لخضر الحسني إلى ابتكار موارد مالية جديدة، بهدف تلبية احتياجات وانشغالات المواطنين، إلى جانب إيجاد سبل لتحسين المداخيل الجبائية للبلدية، وذلك من خلال الاستغلال العقلاني لأملاكها وتثمين ممتلكاتها ومرافقة مصالح الضرائب لتحصيل مداخليها، مؤكدا على عدم الاعتماد على الخزينة العمومية لسد العجز، وبعث مؤسسات تابعة بما يسمح بتحقيق الاستقلالية المالية،وهذا لا يتأتى، حسبه، إلا بوجود كفاءات بشرية على رأس البلديات، تكون منفتحة على محيطها الاجتماعي والاقتصادي المحلي والوطني.
وأكد المتحدث عل ضرورة محاربة آفتي الفساد والبيروقراطية اللتين تهدمان البناء الإداري والاقتصادي والاجتماعي، واستحداث آلية الرقمنة في كل العمليات الإدارية لإظهار الشفافية أكبر على كل عمليات الانتقاء في دراسة ملفات الاستثمار بكل أنواعه.
إلى جانب ذلك، دعا إلى ربط البلدية بالجامعة ومراكز البحث ومراكز التكوين المهني، من خلال الاعتماد على الخبراء ومخرجات هذه الهيئات العلمية، والبحثية في مرافقة برامجها الاقتصادية والاجتماعية، من خلال برمجة ملتقيات وأيام دراسية في شتى المجالات التي تدخل ضمن مهام البلدية وأهدافها، واستقطاب الموارد البشرية والكفاءات التي تخدم برامجها وأهدافها. وأوضح ذات المصدر، أن المعروف في الجزائر وجود فوارق كبيرة بين البلديات من حيث المداخيل والموارد المالية، مشيرا إلى مجموعة من البلديات المصنفة في خانة “الغنية” على غرار حاسي مسعود، وهران، الدار البيضاء بالعاصمة، وبلدية سكيكدة، والملاحظ، حسبه، اشتراك هذه البلديات في موقعها الاستراتيجي الذي توفر من خلاله استغلال أراضيها لاستخراج الغاز والبترول أو عبوره عبر الأنابيب وهو سبب كافي لتصدرها قائمة أغنى البلديات في الجزائر.
ويرى أن هذا ما يفرز فروقات اجتماعية بين ساكنة البلديات المذكورة، مشيرا إلى مبادرة توزيع الأدوات المدرسية التي لم تتمكن الكثير من البلديات من اللحاق بهذه المبادرة التضامنية.
تعليقات 0