مراكز العودة.. منافي الاحتجاز

مقترح لإنشائها خارج دول الاتحاد الأوروبي لتسريع ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين

كشف الاتحاد الأوروبي – بعد أشهر من المفاوضات- عن مقترحاته للتخلص من المهاجرين الذين تم رفض طلبات اللجوء، وذلك بالعمل على وضع إطار قانوني لإنشاء مراكز للمهاجرين خارج حدوده، ويبدو أن بعض دول التكتل -كون البعض الآخر رفض المقترح- تسعى لإعفاء نفسها من مسؤولية تسيير ملف باتت تصفه ب “العبء الثقيل” وتحميلها للطرف ثالث مقابل مبالغ مالية دون المبالاة بحقوق الإنسان، وفي حال قبول البرلمان الأوروبي المبادرة تضع أوروبا المهاجرين غير النظاميين بين خيارين، العودة للوطن الأم أو الخضوع للمنافي الجديدة التي تفكر فيها القارة العجوز.

تعكف دول الاتحاد على ضمان خروج طالبي اللجوء الذين تُرفض طلباتهم من أراضيها، وتتبع أقل من 20% من قرارات الطرد داخل الاتحاد الأوروبي اجراءات تنفيذية، وتريد بروكسل السماح للدول الأعضاء باختبار “حلول جديدة” لتسريع هذه القرارات. وبناء عليه ينص اقتراح المفوضية على آلية تسمح للدول الأعضاء بفتح مراكز للمهاجرين في دول خارج الاتحاد الأوروبي، مع فكرة إرسال أشخاص رُفضت طلبات لجوئهم ويواجهون التزاما بمغادرة الأراضي إلى “مراكز العودة” المذكورة. ولا تخطط المفوضية لفتح مراكز خاصة بها، بل تترك هذا الخيار للدول الأعضاء. ويقتصر عمل المفوضية على “إنشاء إطار قانوني” وليس مراكز، مطالبة المراكز باحترام القانون الدولي.

فرض قواعد وعقوبات أكثر صرامة على طالبي اللجوء الذين يرفضون مغادرة الأراضي الأوروبية، مثل مصادرة وثائق الهوية، والاحتجاز وحظر الدخول لفترات طويلة الاعتراف المتبادل بالقرارات التي تتخذها دولة عضو معينة، أي أن قرارا اتخذ في النمسا على سبيل المثال يمكن أن يطبّق في إسبانيا، وأكد مفوض الهجرة في الاتحاد الأوروبي النمساوي ماغنوس برونر -الذي أعد النص- أن هذه الإجراءات “ستعيد للناس الشعور بأننا نسيطر على ما يحدث في أوروبا”.

وقالت المديرة المساعدة في معهد سياسات الهجرة في أوروبا كامي لو كوز “في كل قضايا اللجوء، يمكننا أن نرى بوضوح نفاد صبر الدول الأعضاء” التي تريد مقترحات قوية من بروكسل، وأشارت إلى أن مجموعة من الأسئلة ما زالت قائمة حول الاقتراح وخصوصا في ما يتعلق بإدارة مراكز العودة، وأضافت “لا أحد يعرف تحديدا كيف سيتم إنشاء هذه المراكز. من سيمولها؟ هل ستكون هناك أموال أوروبية، مع أي دولة، ولأي ملف”، مؤكدة أنه من غير المرجح أن نشهد بالفعل تزايدا لهذه المراكز.

ويتعين أن يوافق البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على هذا الاقتراح لكي يدخل حيز التنفيذ، فيما يأمل المفوض ماغنوس برونر أن يُعتمد الاقتراح “في أقرب وقت ممكن”، إلا أن الموضوع يعتبر حساسا جدا، سواء من الناحية السياسية أو القانونية، ويسبب خلافات بين الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وترفض إسبانيا المشروع منذ البداية، معربة عن قلقها من عدم احترامه لحقوق الإنسان، من جهتها تدفع الدول الاسكندنافية وهولندا إلى إنشاء هذه المراكز، آملة حتى في أن تتمكن من إطلاق مبادرات في وقت قريب جدا.

وثارت منظمات غير حكومية معنية بحماية المنفيين ضد نص الاقتراح، وأعربت بعضها ومنها “لجنة الإنقاذ الدولية” (انترناشونال ريسكيو كوميتي) عن قلقها من أن يؤدي إلى “تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان”، وقالت عضو البرلمان الأوروبي عن مجموعة الخضر ميليسا كامارا “إن مراكز العودة هذه تفتح الباب أمام مناطق خارجة عن القانون وظروف احتجاز مروعة جدا لمواطني بلدان ثالثة”.

انخفاض معدلات العودة

كشفت بيانات وكالة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي “أوروستات”، أن أكثر من 480 ألف شخص طُلب منهم مغادرة الاتحاد الأوروبي في عام 2023، لكن غادر واحد فقط من كل خمسة منهم. وكانت أكبر الفئات التي طُلب منها المغادرة هي مواطنو المغرب والجزائر وأفغانستان، كما تم ترحيل نحو 92 ألف شخص إلى دول ثالثة مثل جورجيا، ألبانيا وتركيا. بالمقابل، أظهرت أرقام “أوروستات” أن 409,485 شخص حصلوا على الحماية في الاتحاد الأوروبي عام 2023. توزعت هذه الحماية بين وضع اللاجئ (43%)، الحماية الفرعية (35%)، والحماية الإنسانية (22%). وكان السوريون الأكثر عددًا بين الحاصلين على الحماية، تلاهم الأفغان والفنزويليون. واستقبلت ألمانيا أكبر عدد منهم بنسبة 37%، تلتها فرنسا وإسبانيا بنسبة 13%.

بموجب ميثاق الهجرة في الاتحاد الأوروبي “الإعادة إلى دولة ثالثة” تعني إعادة طالبي اللجوء الذين تم رفض طلباتهم إلى دولة أخرى غير بلادهم، حيث يمكنهم البقاء بأمان. وتشمل هذه الدول تلك التي أبرم الاتحاد الأوروبي معها اتفاقيات لإعادة المهاجرين. وفقًا لنظام دبلن، قد يُعاد الشخص إلى أول دولة دخلها في الاتحاد الأوروبي، أو إلى دولة خارج الاتحاد إذا كان قد حصل على اللجوء هناك. وتختلف معدلات الترحيل بين دول الاتحاد الأوروبي، حيث سجلت فرنسا أعلى عدد من الترحيلات في عام 2022، تليها ألمانيا والسويد.

في سياق متصل، أفادت وكالة “فرونتكس” بتراجع كبير في عدد المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا العام الماضي، حيث بلغ عددهم 239 ألف شخص، وهو أدنى مستوى منذ عام 2021. ويُعزى هذا الانخفاض إلى التحالفات مع دول شمال إفريقيا، مثل ليبيا وتونس، حيث تسهم هذه الدول في الحد من قدوم المهاجرين.

جدير بالذكر أنه بعد نشر المفوضية الأوروبية للاقتراح المتعلق بعودة طالبي اللجوء، سيحال إلى البرلمان الأوروبي لمناقشته وتستغرق العملية عادةً حوالي عامين. ويتولى برونر مهمة تنفيذ الميثاق الجديد للهجرة واللجوء، وهو الإصلاح بعيد المدى الذي أكمله التكتل في ماي 2024، بعد نحو أربع سنوات من المفاوضات الشاقة. ويرى البرلمان الأوروبي في الميثاق الجديد إنجازا تاريخيا ويريد من جميع الدول الأعضاء في التكتل أن تلتزم بالقوانين الجديدة. غير أن بولونيا والمجر قالتا صراحة إنهما لن تلتزما بالقواعد الجديدة، ما يثير مخاوف من أن الإصلاح المعقد قد ينهار قبل أن يُمنح فرصة لتحقيق نتائج.