مستقبل “رونو” بالجزائر.. بين انتظار الاعتماد وفتور العلاقات الثنائية

العلامة الفرنسية أنفقت بين 15 و20 مليون أورو للامتثال لدفتر الشروط

 تحدثت مصادر عن المستقبل الغامض لعلامة السيارات الفرنسية “رونو” في الجزائر، في ظل الانتظار الطويل للاعتماد الذي يسمح للمصنع بالعودة للنشاط، ووسط الأزمة الأخيرة بين البلدين يخشى مسؤولو الشركة -التي كانت في صدارة مبيعات المركبات قبل 20 عاما في بلادنا- اتخاذ قرار مغادرة بلادنا، وحسب الأصداء، فإن مسيّريها – وبعد عام من الانتظار والتأقلم مع دفتر الشروط الجديد للنشاط- دفع الكثير ولن يتحمل تكاليف أخرى لعام ثان، ما قد سيجبره عن الرحيل.

 ساءت العلاقات الثنائية بين فرنسا والجزائر أكثر منذ 31 جويلية الماضي، بقرار الرئيس ايمانويل ماكرون الاعتراف بسيادة المغرب المزعومة على الصحراء الغربية، ومع المستجدات وإصرار اليمين المتطرف الفرنسي على الاستفزاز ودفعه للقطيعة، ثمة مصالح اقتصادية لبعض الشركات التي من شأنها أن تدفع ثمن التعنت والتصرفات، ولعل وضع شركة “رونو” – في نموذج للرغبة في التعاون الاقتصادي بين الضفتين في مجال السيارات- خير مثال على الآمال المعلقة لانفراج الأزمة لتتوضح الصورة أكثر، في ظل الانتظار الطويل للاعتماد من ظرف الوزارة الوصية بغية استئناف النشاط وفق مضامين دفتر الشروط الجديد.

وكشف الموقع الإخباري “كل شيء عن الجزائر” عن مواجهة متعامل السيارات الفرنسي العديد من المشاكل للحفاظ على وجود علامته في الجزائر، حيث أنه -وأمام طول انتظار الاعتماد الذي يسمح له استئناف النشاط على مستوى مصنع “واد تليلات” بوهران- يتجه المتعامل نحو مغادرة الجزائر نهائيا، وصرح مصدر مقرب من الملف للموقع الإعلامي المذكور قائلا ” علامة رونو استثمرت بين 15 و20 مليون أورو للتكيف مع دفتر الشروط الجديد الخاص بتصنيع السيارات في الجزائر. وفي حال استمرار الأوضاع على حالها، “رونو” سترحل هذا العام. المتعامل لن يتحمل سنة أخرى دون نشاط.”

وتوقف نشاط “رونو” يوهران في العام 2020 بعد قرار الحكومة إلغاء مخطط الاستيراد التفضيلي لمجموعات أجزاء السيارات وفق صيغتي CKD/SKD لتجميع السيارات في الجزائر، وتم إبلاغ جميع عماله -والبالغ عددهم 1200 شخص- أنهم سيتلقون تعويضات مالية، مقابل التسريح قبل أن يعيد فتح مصنعه مرتين من أجل استهلاك الأجزاء المحجوزة، التي تم حظر دخولها في موانئ البلاد، وكان آخر توقف في أكتوبر 2023، بعد أن تم بيع حوالي سيارة من آخر مخزون للعلامة الفرنسية.

ويعتبر مصنع “رونو الجزائر” الذي دخل حيز الاستغلال في 10 نوفمبر 2014، ثمرة استثمار فرنسي وفق قاعدة 49/ 51، تسيطر فيه الجزائر على النسبة الأكبر، موزعة بين المؤسسة الوطنية للسيارات الصناعية بنسبة 34 بالمائة، 17 بالمائة للصندوق الوطني للاستثمار، فيما تسيطر “رونو” على النسبة المتبقية والمقدرة بـ 49 بالمائة.

والمصنع يتربع على مساحة 151 هكتار، وقد تم تدشينه في مشهد استعراضي حضره شخصيات سياسية جزائرية وفرنسية وقتها، والمؤسسة وقبل أن تغلق أبواب مصنعها مؤقتا، كانت تنتج ثلاثة أنواع من علامة “رونو” هي “سامبول”، “كليو4″، و”داسيا ساندير وستيب واي”، وكانت قد احتفلت في 12 سبتمبر من عام 2017، بوصول عدد السيارات التي أنتجتها إلى 100 ألف سيارة.

“رونو” الذي تصدر المشهد لسنين رافقه إقبال الجزائريين على العلامات الفرنسية، لم يسلم مت تداعيات التغيرات السياسية بعد العام 2019، وتداركت الدولة أضرار ما بات يسمى “تجربة ضخ العجلات” ليتقرر غلق مختلف وحدات “التصنيع” في المجال، وملاحقة بعض أصحابها قضائيا، وكان على “رونو” التأقلم خصوصا مع إقرار دفتر شروط جديد للتصنيع تم إصداره شهر نوفمبر 2022، وتلح الوصاية على الامتثال لكل تفاصيل محتواه مقابل مزاولة النشاط.

في مارس 2023، شرعت شركة “فيات الجزائر” في استيراد سيارات جديدة واستأنفت بناء المصنع الذي كان من المقرر أن يضم علامة “بيجو” بمنطقة “طفراوي” في وهران. وقد تم منح الاعتمادات للمصنعين الصينيين، إلا أنهم يواجهون صعوبات في إطلاق أنشطتهم بسبب التأخر في الحصول على تراخيص الاستيراد، وبالنسبة لشركة “رونو” الجزائر، فإنها لم تحصل بعد على الاعتماد اللازم لاستئناف النشاط في مجال بيع وتجميع السيارات.

وفي نوفمبر الماضي، نفت إدارة الشركة الفرنسية، التي تعمل على تقليص عمالها بشكل كبير، إغلاق المصنع بوادي تليلات، حيث قال مديره العام، ريمي هويون “نحن متحمسون ومستعدون للعودة إلى النشاط” مضيفا أنه “تم إنفاق 15 مليار دينار من أجل انجاز المصنع وأشغال إعادة التكييف مع التشريعات الجديدة” امتثالا لمحتور دفتر الشروط الجديد.