سي محمد بن حنفي.. درب الوطنية والإبداع

معارف وباحثون استذكروا روحه وثمنوا إرثه في فوروم "المجاهد" بحلول الذكرى الثالثة عشر لوفاته

أجمع المشاركون في منتدى “المجاهد”، صبيحة الأربعاء، للحديث عن دور المحافظ السياسي خلال الثورة، على التواضع الذي صنع شهامة أحد الوجوه التاريخية والثقافية في الجزائر، المجاهد والشاعر والإعلامي المرحوم سي محمد بن حنفي، وكانت المناسبة للالتفات لبداياته بمسقط رأسه في سيدي عثمان في آث واسيف بتيزي وزو، إلى مبنى الإذاعة الوطنية، مرور بقرية “مدريسة” بتيارت حيث يشهد له الكثيرون بالإخلاص للوطن خلال الفترة الاستعمارية، وهو الذي خاض معركتين، الأولى بدعم الكفاح المسلح والثانية بالاستثمار في العلم ناشرا قافية تغرس الوعي بالأصالة والجذور، بالتراب والوطن ورغم الغياب، يظل اسمه مرتبطا بما تحمر به الوجوه اعتزازا وافتخارا وليس شعورا بالخجل.

ودعنا في شهر الشهداء وكان يناسبه ويليق استذكار روحه والحديث عن إرثه في شهر الشهداء، ومع الذكرى الثالثة عشر لوفاته، وهو الذي ساهم خلال الثورة المجيدة بدور المحافظ السياسي، لكن شخص محمد بن حنفي لا يختزل في كلام عن التاريخ، وهو الذي ظل مثالا في الوطنية، أبدع في القافية فكان شعره مرآة المجتمع، كما أن بيت الإذاعة الوطنية وأمواج الأثير لم تمح صوته ويعود للمستمعين والأوفياء بمجرد ذكر العديد من الحصص التي ولج بها إلى بيوتهم.. هو الرجل المنتمي للتاريخ.. للثقافة والإعلام والشهادات التي تعاقبت في الذكرى ال لوفاته، عبر فوروم يومية “المجاهد” اختزلت حياة حافلة ووصفت شخصية قدمت الكثير ولم تحتكر لنفسها الوطنية والإبداع والشهامة، رغم أن المرحوم بن حنفي كان فوق كل شيء ذلك المحب للجزائر حتى النخاع، والشاعر الذي يفوح من قصائده عبق الزهور في عز الربيع ومرجع في الرجولة النابعة من دروس الحياة، فصقل بها مسيرة حكيم لا يكررها الزمن.

تحدث المجاهد عيسى قاسمي في أول مداخلة في منتدى “المجاهد، صبيحة الأربعاء، عن دور المحافظ السياسي خلال الثورة التحريرية، حيث قال إن هذا الدور تم استحداثه خلال مؤتمر الصومام لعام 1956، مع تحديث مهام من يمتنها، وذكر على سبيل المثال  التكوين السياسي لأفراد الجيش، تعبئة المواطنين لدعم الثورة ومقاطعة الإدارة الفرنسية،  الإبلاغ عن العملاء وأعداء الثورة، التصدي للدعاية الاستعمارية الساعية لتشويه الحركة الوطنية، تنظيم العمل الثوري وجمع الأموال للثوار، تقديم المساعدات لعائلات الشهداء والمساجين، مع الحرص على التزام المجاهدين بالأخلاق وحسن المعاملة.

وتأسف المتحدث على عدم حيازة عدد دقيق عن عدد المحافظين السياسيين الذين استشهدوا خلال الثورة خصوصا أن الاستعمار كان يترصد تحركاتهم. وشدد على أن القيام بهذه المهام لم يكن يوكل لأي كان بل يحتكم لصفات على غرار ضرورة التمتع بالوعي السياسي المرتفع، الإخلاص للصورة ومبادئها، الخبرة في الحركة الوطنية، القدرة على التواصل والإقناع، معرفة أعيان المناطق المختلفة واستمالتهم لدعم الثورة.

من جهته قام الأستاذ المتقاعد لخضر حاج اعراب شهادة قيمة عن المرحوم بن حنفي، خصوصا أن الأخير قام بمهامه الثوري كمحافظ سياسي بتيارت، وبالتحديد في منطقة مدريسة، مذكرا بتسلح الراحل بالثقافة الدينية في شبابه وتعلمه للغة العربية ما ساعده على التواصل مع السكان، وأضاف “الكثيرون يعرفونه رجل الإذاعة لكنهم يجهلون ما قدمه للثورة. صحيح لا يحب عن الحديث عن عمله الثوري، لأنه يعتبر الأمر واجب لا غير.” وبسبب شح المعلومات كان لا بد من التنقيب عن شهادات حول بن حنفي وعمله خلال الثورة “لنكتشف أن زيزي -هكذا كان يلقب في مدريسة من طرف السكان الذين كسب احترامهم وثقتهم- كان يجمع الأموال للثوار، وكان محل ثقة الجميع.” مشيرا إلى أن الراحل لطالما رفع معنويات المواطنين خلال تلك الفترة، وأضاف في السياق ذاته “الثورة شهداء وخسائر وأرامل ويتامى، وسي بن حنفي كان يرفع المعنويات ويشحذ الهمم. وهذا أمر لا يقبل أن يؤديه أي كان. ليس من السهل مواساة عائلة شهيد.”

وتطرق المتحدث لفترة توقيف بن حنفي من طرف السلطات الاستعمارية، ورغم كل التعذيب الذي تعرض له إلا أنه لم يدل بأي اعتراف قناعة بقدسية العمل الثوري وشرعية مطالب الشعب الجزائري في انتزاع الحرية.

بدوره استهل الأستاذ جمال لاسب وبكلمات تليق بقيمة ومقام بن حنفي، المجاهد، الشاعر والإعلامي، واعتبر المتحدث أن طابع السرية الذي ميز مهامه كمحافظ سياسي خلال الفترة الاستعمارية سبب شح المعلومات عن هذا الرجل الذي قال إنه بقي كتوما بعد الاستقلال، ولا يتحدث إلا نادرا عن مساهمته الكبير خلال الثورة، مثنيا على التواضع الذي رافق المرحوم، ليضيف “إنها صفة لا يحتكرها إلا العظماء” كما آشار لاسب إلى الدروب التي سلكها بن حنفي قائلا “إنها الدروب الواعرة للنضال”، مذكرا بتعلق الرجل بالجبال، بقريته، بأبيه وأمه..” بل هو تعلق بالوطن والجزائر تعني الكثير لمحمد بن حنفي.”

واعتبر الباحث الجامعي ومعد الحصص بالقناة الثانية أن مهام بن حنفي خلال الثورة محفوفة بالمخاطر، وأضاف “لا نمارس بعشوائية مهام المحافظ السياسي في زمن رجال من طينة عبان وعميروش، لكن بن حنفي كان محافظا سياسيا في وقتهما وهنا تكمن عظمته.”

تحدث جمال لاسب كذلك عن ثقافة المرحوم واتقانه لثلاث لغان وقدراته في الإقناع ومواساة المواطنين رغم حجم الألم والأوجاع في الفترة الاستعمارية، ليقول لاسب في السياق ” الرجال يرتقون في ساحات المعارك وفي وسط الحزن يزرع بن حنفي الأمل في نفوس العائلات المكلومة. وبالنسبة إليه الوطن يستحق التضحيات.”

وآشار الباحث إلى حب بن حنفي للحياة وللموسيقى، معتبرا أن بعد الفنان والقدير كمال حمادي، يأتي بن حنفي كثاني شاعر غنى له العديد من الفنانين، حيث حضرت قافية الرجل في فن جمال شير، مجاهد حميد، شابحة، مولود حبيب، عثماني، ظريفة، والعالمي إيدير وغيرهم، مضيفا آن نوعية ومستوى أشعار المرحوم جلبت له الثناء وتعكس حكمته عبر الزمن.

وختمت تلميذة بن حنفي، وإحدى الوجوه الواعدة للقناة الثانية بالإذاعة الوطنية، وريدة سيدر، المنتدى بكلمة استذكرت فيها المرحوم، وهي التي خطت خطواتها الأولى مع أمواج الأثير رفقة المرحوم، وقالت “المناسبة تليق بمكانة بن حنفي وهو الذي قدم الكثير للوطن، للإذاعة وللثقافة. سيكون سعيدا لو كان حيا بيننا. أنا اعتبر نفسي محظوظة بمعرفتي للرجل، وأدين له بالكثير، كما أن العديد من الفنانين يدركون جيدا كيف ساعدهم على البروز. بودي تقديم شكري وامتناني لكل من ساهم في هذه الالتفاتة ونحن ماضون على درب بن حنفي ونصون رسالته.”